كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

كما يأكلون، ويمشي في الأسواق كما يمشون، فصرفتهم هذه المشابهات الحسية عن معانيه - صلى الله عليه وسلم - التي سمى من أجلها الأمين بينهم، فاستهزءوا لمظهر حاضره، ونسوا حقيقة ماضيه العامر بالجود والفضائل، بل نسوا معنى الرسالة ومعجزتها.
الضمير في
(رَأَوْكَ) يعود إلى المشركين، لأنهم حاضرون دائما بمجادلتهم ومهاتراتهم، وفتنتهم للمؤمنين، أي إذا رآك المشركون داعيا موجها مرشدا (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا) (إِنْ) هنا نافية، وفي الكلام معنى القصر والتخصيص، فالنفي والاستثناء يفيدان القصر، إنهم إذا رأوك لَا ينظرون إليك إلا نظر المستهزئ الساخر، فلا يفكرون في الدعوة أهي حق أم باطل، أو أهي في أخلاق الناس وإرشادهم أمر حسن أم أمر باطل، وفي دليلها، أهو ساطع قاطع، وفي تحديه لهم، أهم عاجزون أم قادرون، وفي ماضيه أهو كريم أم غير كريم، لَا يفكرون في شيء من هذا، بل يغلبهم الإعراض والاستهزاء قائلين ساخرين (أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا) أي أهذا الذي يعيش كما نعيش، ليس معه ملك وليس له كنز، وليس له بستان يغنيه، بعثه اللَّه رسولا، وضمير الصلة محذوف ودل عليه الكلام، والاستفهام في قوله أهذا الذي بعث اللَّه رسولا، استفهام إنكاري للتهم، يفيد نفي الرسالة، لعدم لياقته لهم في زعمهم وكذبهم على اللَّه العزيز الحكيم، وهو أعلم حيث يجعل رسالته.
ويستمرون في غيهم، فيقولون:
(إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)
(إِنْ) مخففة من إنَّ، واسمها ضمير الشأن محذوف تقديره إن الحال والشأن أنه كاد إلى آخره، أي أنه بماضيه وظهور صدقه، وعدم الدليل على كذبه في حججه المتوالية التي كانت تجيء دليلا ردف دليل قارب أن يبعدنا عن آلهتنا، أي يبعدنا عن عبادة آلهتنا، ويجنبنا إياها، (لَوْلا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا) أي لولا أن حبسنا

الصفحة 5284