كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)
ترتب على حبسهم أنفسهم على الضلالة لَا يتجاوزونها، ولو بدا لهم الحق لائحا منيرا أنهم يريدون آلهتهم على ما يهوون ويحبون، لَا على ما يدركون بعقولهم، وتبين به الآيات الباهرة، وعظمة اللَّه تعالى القاهرة، والمعنى لقد رأيت من اتخذ إلهه هواه، وقالوا: إن المفعول الأول هواه، وأُخِّر للاهتمام بمعنى الألوهية التي لَا تكون هوى قط، وكان سياق القول، أفرأيت من اتخذ هواه إلها يعبده، والإله هو الواحد الأحد النافع الضار الذي يملك كل شيء في الوجود، ولا سلطان لأحد عليه، والاستفهام هنا للتوبيخ، لأنه إنكار لفعلهم الذي فعلوه، ويفعلونه، ويلجون فيه من غير تفكير، ولا تَعَرّف للحق.
(أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) الوكيل الحفيظ المتصرف المحامى عليه، لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصا على هدايتهم، كما قال تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء. .)، وقال تعالى: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نفْسَكَ أَلَّا يَكونُوا مُؤْمِنِينَ)، فهذه الآية وسابقتها تدل على أنهم يعبدون ما يحبون لا ما يعلمون ويدركون، وأنهم قد انغمروا في ضلال لَا منجاة لهم منه، ولذا قال تعالى: (أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي إذا كانوا يتخذون هواهم إلها، فأنت تكون عليهم حفيظا تهديهم، وتخرجهم من الظلمات إلى النور، إن فسادهم في ذات أنفسهم، فإن حفظتهم عن أن يضلوا غيرهم، فكيف تحفظهم من ذات أنفسهم، إن ضلالهم في ذات أنفسهم، والاستفهام للتنبيه إلى ضلالهم، وقال تعالى:
(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)
أم - هي أم المنقطعة الدالة على الإضراب والاستفهام معا، أي أنها تدل على الإضراب والانتقال من أمر شديد، إلى أشد، فالأمر الأول كان يفرض أنهم

الصفحة 5286