كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

وجعل النهار نشورا، أي جعل النهار فيه النشور، أي الانتشار للحركة والعمل، وفي كلمة نشور إشارة إلى أمور ثلاثة: أولها - إبعاد إلى لباس الليل وإنهاء لسباته، وثانيها - الحركة العاملة التي بها يعمر الكون، وثالثها - الكسب في الحياة وظهور الأعمال خيرها وشرها، ولذا قال تعالى في الآية التي تلونا، (وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ) أي كسبتم بالنهار، وسمى اللَّه تعالى النهار نشورا، فسمى الزمان باسم ما يقع عليه، وهذا مجاز علاقته الظرفية، وفي ذلك ما يفيد أنه زمن حركة وعمل، وليس زمن توان وكسل، وهذه دعوة إلى العمل، فالعمل حياة، والكسل موت.
وهذه الآية متصلة بما قبلها، فالآية السابقة شرحت عجائب في خلق النهار من الليل كيف يبتدئ بمد الظل، ولو شاء لجعله ساكنا، وكيف جعل الشمس مشرقة داعية إلى العمل والحياة، وكيف قبض الظل متدرجا حتى جاء الليل، وفي هده الآية: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا. . .) بين سبحانه حكمته في خلق الليل والنهار، إذ يبدأ النهار بمد الظل، ثم يقبضه متدرجا في قبضه، حتى يجيء الليل، ومن الليل النهار، وجعلهما خلفة.
بعد بيان نعمته على عباده في الليل والنهار، وبيان أن النفوس تستروح الراحة في الليل، وتنهض للعمل في النهار لطلب الرزق بين سبحانه أنه يرزق الناس بما يكون مادة عملهم، وفيه معاشهم، فقال الحكيم العليم الخلاق العظيم:
(وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)
الضمير للَّه جل جلاله الذي أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأرسل الرياح أطلقها، كأنها مقيدة بإرادته سبحانه ثم أرسلها، والرياح جمع ريح، وهي تتلاقى في استقامتها مع الراحة، كما تتلاقى في وقائعها مع الراحة أيضا، وإن كانت المعاني ليست واحدة، أطلقها سبحانه وتعالى لتكون مبشرة للناس بنزول الماء الطهور، ولذا قال تعالى: (بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) وبشرا مخففة من بشر بضم

الصفحة 5291