كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

وإن ذلك كله بقدرة اللَّه تعالى وإبداعه في هذا الوجود، ولذا ختم اللَّه تعالى الآية بقوله عز من قائل، (وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) وكان ربك خالقك الذي أنشأك ويكلؤك ويرعاك قادرا قد علت قدرته كأقصى ما يتصور العقلاء، و (كان) هنا هي الدالة على الاستمرار. والدوام، أو الكينونة الدائمة.
ومع هذه القدرة القاهرة، والعجائب الباهرة، وكما رأيت من مد الظلال، وخلق الليل والنهار، ومرج البحرين، وخلق الإنسان من ماء، مع كل هذا تجد الذين سيطرت أوهامهم يعبدون حجارة لَا تنفع ولا تضر، ولذا قال سبحانه عقب ذلك:
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55) (وَيَعْبُدُونَ) الواو هنا واو الحال، والمعنى: هذه قدرة اللَّه القاهرة الباهرة مع أنهم لم يعتبروا ولم يدركوها، والحال أنهم يعبدون من دون اللَّه أحجارا، أو ما يشبهها لَا تنفعهم بشيء قط بحيث يعبدونها رجاء، ولا تستطيع ضررا لهم فتكون العبادة دفعا لهذا الضرر، فهي لَا حياة لها، وهي دونهم، ولكن الوهم جعلهم يعبدونها، مع هذه الحال.
وقال تعالى: (وَكانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا) روي عن مفسري السلف، أن ظهيرا معناها أن الكافر يظاهر الشيطان على اللَّه تعالى، إذ يدليه بغروره فلا يعبد اللَّه، ويعبد الحجارة، وهذه المظاهرة على اللَّه تعالى ربه الذي خلقه وأنعم عليه، وأسبغ عليه ظاهرا وباطنا، وذكر الكافر بالوصف، للإشارة إلى أن سبب ذلك هو ضلال الكفر وطمسه لبصيرة عابد الأوثان.
وفسر بعض العلماء (ظَهِيرًا) أي مهينا، والمعنى هينا على ربه لَا يضره كفره، وقالوا إن ذلك من قولهم ظهرت عليه، أي جعلته وراء ظهري، لَا ألتفت إليه، ولا أهتم به، وذلك قريب من قوله تعالى: (. . . وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا. . .)، وهذا القول قاله أبو عبيد، وهو قائم على أن ظهير بمعنى مظهور أي ملقى وراء ظهره.

الصفحة 5301