كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

ويكون معنى النص السامي على أن الاستثناء منقطع، لَا أسألكم عليه أجرا، لكن من شاء اتخذ إلى ربه سبيلا هو مطلبي وغايتي، وموضع دعايتي ودعوتي.
ومهما يكن من تخريج، فالمعنى أنه لَا جزاء للنبي إلا أن يتبعوا الحق، ويهتدوا به، ويوحدوا العبادة.
وفى قوله تعالى: (إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا) إشارات بيانية ثلاث.
الأولى - التعبير بقوله: (مَن شَاءَ) إشارة إلى أن الثواب لَا يكون إلا بالإرادة الحرة المختار، إذ هي أساس التكليف.
الثانية - التعبير بقوله: (يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا) التعبير بالرب توجيه إلى أنه الخالق المربي القائم على الخلق، ففي ذلك دعوة للاتباع المدرك، شكرا لنعمة اللَّه تعالى عليه.
الثالثة - وصف الهداية بأنها اتخاذ السبيل؛ لأنه المنهاج، وهو (سَبِيلًا)، وكان التنكير لبيان أن السبيل المطلوب هو ما كان إلى اللَّه تعالى.
وبعد أن أمر اللَّه تعالى نبيه أن يقول لهم ما قال أمره سبحانه بأن يتجه إلى الحق معتمدا عليه سبحانه وتعالى وحده فقال:
(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)
أمر اللَّه تعالى نبيه بالتوكل عليه بعد أن يئس من المشركين، ليكون خالصا للدعوة إليه، وليكون معتمدا عليه وحده، وليكون ذلك تبشيرا للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالنصر عليهم، وأن اللَّه تعالى معطيه ومن معه القوة الدافعة، والتوكل معناه اعتماد القلب على اللَّه تعالى، واتخاذ الأسباب الظاهرة، وإن لم تكن هي وحدها الناصرة إنما هي وسائط، أمر سبحانه وتعالى باتخاذها من غير اعتماد عليها وحدها، وقد ذكر

الصفحة 5304