كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

برحمته، فكل عمل منه سبحانه في عرش السماوات والأرض رحمة في ذاته الرحمن الرحيم.
وإن المتتبع لهذا الخلق وذلك التكوين، والقيام عليه بقدرته تعالى يرى بقلبه رحمته سبحانه، ولذا قال تعالى: (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) الفاء للإفصاح عن شرط مقدر إذا أردت أن تعرف (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)، والباء - فيما أحسب - بمعنى في، والمعنى فاسأل خبيرا أي عليما يعلم علما دقيقا، فإنه ينبئك عن جلال اللَّه تعالى في الخلق والتكوين والرحمة.
بعد ذكر هذا الخلق، وهذا التكوين العجيب، والإشارة إلى خلق اللَّه تعالى الوجود كله في أدواره المحكمة أعاد بيان حال المشركين في مكة التي يتعلقون بألفاظ يدورون حولها غير متعقلين ولا مدركين، فقال عز من قائل:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)
لم يكونوا يذكرون اللَّه تعالى بلفظ الرحمن، فهم لَا يعرفونه إلا باسم اللَّه تعالى، فلما ذكره باسم الرحمن استنكروا هذا الاسم، وكأنَّهم لَا يقرونه، قالوا: (وَمَا الرَّحْمَنُ) الواو عاطفة على محذوف، كأنهم يقولون سمعنا قولك من قبل، وما هذا الذي تريده وتسميه الرحمن، كأنهم يحسبون أنه شيء غير اللَّه تعالى، أتريد أن نسجد لما تأمرنا، وكأنهم يقولون تأمرنا بألا نعبد إلا اللَّه، ولا نشرك به شيئا، وتريد أن تأمرنا أيضا بأن نسجد لهذا الرحمن، كأن المسألة بيننا وبينك ليس أمر التوحيد تدعو إليه، إنما أنت تعادي آلهتنا بآلهة أخرى، ومرماهم أنك تتحكم في عبادتنا، ولا تخالفنا في شركنا، (وَزَادَهُمْ نفُورًا)، أي زادهم الأمر بالسجود للرحمن نفورا، لأن من لَا يدرك يزداد نفورا بجهالته، وعدم معرفته، لأنهم ضلوا، وعقولهم الضالة تزداد نفورا، كما أن نزول السورة يزيدهم كفرا.
وقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ) عبر بالفعل المبني للمجهول، ولم يذكر الفاعل، وقد علم من البعض، لأنهم قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - (أَنَسْجُدُ لِمَا

الصفحة 5307