كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

عنيف حتى إنه ليبدو لدى المعاقب، كأنه مضاعف للذنب، وإن المذنب دائما يحس بالجزاء كأنه أكثر من الذنب، فاللَّه تعالى يصور له العقاب كأنه مضاعف، ولأنه يتجدد آنًا بعد آنٍ، كلما فضجت جلودهم بدلهم اللَّه تعالى جلودا غيرها، فهو عذاب بعد عذاب، وبهذا التكرار الدائم يكون كأنه مضاعف.
وإنه عذاب دائم مستمر، ولذا قال تعالى: (وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا)، أي أنه مستمر مع مهانته الشديدة الواضحة الدائمة المستمرة، وكذلك يستبدل اللَّه.
بغطرستهم الجاهلية، واعتزازهم الظالم العاتي مهانة دائمة مستمرة، وقد استثنى العادل الحكيم الذين يتوبون في الدنيا، فقال:
(إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)
هذا الاستثناء من العذاب السابق ذكره في الآية السابقة، وقد ذكر سبحانه وتعالى ثلاثة أمور تخرج الشخص من دركة الكفر والطغيان إلى درجة الإحسان واستحقاق الثواب.
وأول هذه الأمور - التوبة، وثانيها - الإيمان، وثالثها - العمل الصالح فقال:
(إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا).
أما أولها: وهي التوبة فهي أعلى درجات الاعتذار عن العمل السيئ، وقد قال في ذلك الراغب الأصفهاني في مفرداته: " التوبة ترك الذنب على أكمل وجوه الاعتذار، فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه، إما أن يقول المعتذر: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا أو فعلت وأسات وقد أقلعت، ولا رابع لذلك، وهذا الأخير هو التوبة، والتوبة في الشرع ترك الذنب لقبحه، والندم على ما فرط منه، والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة فمن اجتمعت له هذه الأربع فقد كمل شرائط التوبة ".
ولا شك أن من تكون له هذه الإنابة يغسل قلبه من أدران الشر، ويرحض

الصفحة 5318