كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

الطهر والنقاء، والعمل الصالح المجدي، ألم تر إلى عمر بن الخطاب الذي مكث يكابر ويغلظ في عناد، ويشتد على المؤمنين بضع سنين بعد البعث المحمدي، كيف تاب وآمن وعمل عملا صالحا، ألا تراه قد زالت مآثمه من قلبه وأحل اللَّه تعالى محلها عملا صالحا، فَحَلَّت الأعمال الصالحة ذات الأثر البعيد في الإسلام محل ما كان منه في الجاهلية، ولذا قال سبحانه (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) فالتبديل على هذا هو تغيير ما كان في النفس من أدران السيئات، وإحلال طيبات الأعمال والنيات محلها.
وختم اللَّه سبحانه وتعالى الآية بقوله تعالى: (وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) هاتان صفتان من صفات اللَّه تعالى أنه يغفر السيئات ويسترها، ويرحم عباده بهذا الغفران، وكذلك شأنه الأعلى، شأنه سبحانه يقرب عباده بالغفران والرحمة وفتح باب التوبة لمن أراد من عباده الصالحين.
ثم قال تعالى:
(وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)
في هذا النص السامي يبين اللَّه تعالى أن من يؤمن تائبا، ويعمل العمل الصالح ضارعا، فإنه يعود إلى اللَّه تعالى راضيا مرضيا، ويركن إلى اللَّه تعالى، وحسبه أنه ركن إلى اللَّه تعالى القوي القهار الغالب، يأمن بجانب اللَّه تعالى شر كل مخلوق، ومتاب - أحسب أنه اسم مكان، أي أنه يعود إلى مكان التوبة وملجئها الحصين الذي لَا يذل من يلجأ إليه، ويجعله حصنه الحصين، وركنه الركين، والفاء في قوله تعالى: (فَإِنَّهُ يَتُوبُ) الفاء واقعة في جواب الموصول؛ لأنه في معنى الشرط كما ذكرنا، وإن ذلك هو الثمرة الكبرى للتوبة.
وقال سبحانه وتعالى في الأحوال النافية لعباد الرحمن:
(وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)
الزور: هو كل باطل مزور مزخرف بحيث يؤثر في النفس مرآه، وهو زخرف باطل، فيدخل في ذلك اللهو العابث والقول الماجن، والكذب والفحش

الصفحة 5320