كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

إماما - أي يقتدى بنا ونتبع في الهداية والتوفيق، وإمام معناها أئمة؛ لأن إمام مصدر يوصف به الواحد والجمع والذكر والأنثى.
ولقد بين سبحانه وتعالى جزاء من يكونون في هذه الأحوال الموجبة والسالبة، والمشبهة، فقال عز من قائل:
(أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)
يقول المفسرون الذين يتجهون إلى الإعراب ابتداء إن قوله أولئك
(أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ. . .) خبر لقوله تعالى: (وَعبَادُ الرَّحْمَنِ)، وما وليها من صفات وأحوال، وأنا أقول، إن قوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا) هو مبتدأ وخبره، وما جاء بعد ذلك من معطوفات على الخبر، والمؤدى واحد، فليس الاختلاف اختلافا في المعنى، إنما اختلاف في الإعراب.
والإشارة هنا إلى أصحاب هذه الأحوال والصفات، ومن المعروف أن الإشارة إلى الموصوف تومئ إلى أن هذه الأوصاف سبب الحكم، وهو هنا الجزاء فهذه الصفات سبب ذلك الجزاء، وقد قال القرطبي في عبارة جامعة لهذه الصفات: " وأَوْصَافُهُمْ مِنَ التَّحَلِّي وَالتَّخَلِّي، وَهِيَ إِحْدَى عَشْرَةَ: التَّوَاضُعُ، وَالْحِلْمُ، وَالتَّهَجُّدُ، وَالْخَوْفُ، وَتَرْكُ الْإِسْرَافِ وَالْإِقْتَارِ، وَالنَّزَاهَةُ عَنِ الشِّرْكِ، وَالزِّنَى وَالْقَتْلِ، وَالتَّوْبَةُ وَتَجَنُّبُ الْكَذِبِ، وَالْعَفْوُ عَنِ الْمُسِيءِ، وَقَبُولُ الْمَوَاعِظِ، وَالِابْتِهَالُ إِلَى اللَّهِ تعالى ".
والغرفة تطلق على علية البيت، واستعيرت للجنة أو لعلية الجنة أي أعلى مكان فيها؛ لأن هذه الصفات رفعتهم إلى أعلى درجات الإنسانية، فاستحقوا أعلى جزاء وهو الجنة أو أعلاها.
وإنهم يجدون في الجنة التي تسنموا أعلاها، وكانوا في الذروة الترحاب والأنس والكمال ويجدون مع هذا كله الأمن والسلام والاطمئنان والقرار، ولذا قال تعالى: (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا) لقَى هي مضعف لقى أي يلقون في قوة

الصفحة 5325