كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

راحمة تحية طيبة، وهي اللقاء الطيب، مع الأنس والاحترام والإقبال، كما قال تعالى: (. . وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا)، والسلام الأمن والاطمئنان، فلا يزعجون يشيء مما يزعج به أهل الدنيا، فإن الملائكة يدخلون عليهم من كل باب، (سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صبرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ).
وهنا إشارة بيانية في قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَروا)، أي أن هذا الجزاء الموفور الذي هو أعلى درجات الجنة بما صبروا، أي بسبب صبرهم وذكر ذلك تصويرا لصبرهم الدائم المستمر، وذلك لأن هذه الطاعات تحتاج إلى إرادة قوية صابرة، فإنها قمع لشهوات التعالي في الدنيا، والغطرسة والسلطان، وغيرها من الغرائز الإنسانية، فقد قمعوا هذه الغرائز وشذبوها، وجعلوها في ناحية الخير لَا تعدوها.
وإن اللَّه سبحانه وتعالى كَضَل هذه النعمة بدوامها، وبقائها، وخلودهم فيها فقال تعالى:
(خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)
إذ النعم ينقصها فناؤها، وهذه نعمة كاملة لَا تفنى ويخلد فيها أصحابها، وكما قال سبحانه وتعالى في عذاب جهنم (سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) قال في هذه (حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا)، أي هذه الغرفة العالية في الجنة نعم هي مستقرا فيها حين يستقرون ونعم هي مقام طيب خالد.
قال تعالى مخاطبا الخارجين عن طاعته، وفيه التفات من عباد الرحمن إلى المشركين.
(قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)
الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليوجه إلى المشركين خطاب اللَّه تعالى، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يخاطبهم بهذا الخطاب؛ لأنه نبيهم المرسل؛ ولأنهم يعاندونه ويتحدونه، ويكفرون، فأمره سبحانه بأن يذكر لهم أن اللَّه تعالى لَا يباليهم، ولا يهتم لهم لولا تصحيح اعتقادهم.

الصفحة 5326