كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

على أساس أنهما رسولان، وإن كانت الرسالة واحدة، وأسندت إلى رب العالمين أي ربك ورب آبائك الأولين، ورب الناس أجمعين، فهو خطاب يوجب الخضوع للَّه تعالى من فرعون طاغية الأرض، ومن معه من قومه الذين يمالئونه، ويشجعونه.
(أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)
أن هنا تفسيرية، أي أن تفسير القول هو هم أرسل معنا بني إسرائيل، ويلاحظ هنا أن الرسالة ليست لبني إسرائيل خاصة؛ إنما هي دعوة إلى التوحيد، ورفع الظلم، وابتدى ببني إسرائيل، لأن ظلمهم صارخ، إذ هو يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم.
هذا الكلام الذي سبق كله كان أمر اللَّه تعالى لموسى، وكان كلام موسى وهارون لفرعون، فبماذا أجاب فرعون؟.
(قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)
ابتدأ الكلام بعتب، واتهام بكفر النعمة، أو كفره بألوهيته، قال فرعون
(قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَليدًا) الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. والمعنى: لقد ربيناك فينا، أي في وسطنا مكرما فينا عزيزا، أي خلطناك بأنفسنا خلطا وكأنك منا، (وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)، أي أقصت فينا مختلطا بنا سنين، الظاهر أنه بقي فيهم حتى بلغ الرشد، وصار شابا سويا، يدبر أموره، ويعرف غاياته، ومقام رب العالمين، وخصوصا أن جزءا من التربية كان مع أمه، كما قال تعالى: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا) ويقال إنه مكث في بيت فرعون إلى أن بلغ ثلاثين سنة، والراجح عندنا أنه مكث حتى صار رجلا سويا، بدليل ما آتاه اللَّه من قوة عندما استغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه.
ثم ذكر بعد المودة المقربة، ما فيه لوم له
(وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ... (19)
قرئت بفتح الفاء في فعلتك وكسرها، وعلى الفتح تكون للمرة وعلى الكسر تكون للهيئة،

الصفحة 5345