كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

مما جعل موسى عليه السلام يوجه للتعريف برب العالمين إلى مقام آخر، يبين عظم ربوبيته على الماضين والحاضرين وإنكم وفرعون لستم إلا طبقة من طبقات الوجود الإنساني:
(قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) التفت فرعون لمن حوله كأنه ينبههم إلى إنكار موسى لألوهيته المقررة الثابتة عندهم، فنبههم موسى أولا: إلى أن اللَّه ربكم الذي خلقكم وأنشأكم، وخلق آباءكم الأولين ورباهم وكونهم، فهل فرعون خلق وقدر، وهو المخلوق الذي لا يخلق، ولا يقدر، وثانيا: إلى أن اللَّه رب آبائكم الأولين قبل أن يوجد فرعون، وثالثا: إلى أن الرب يجب أن يكون قديما باقيا، ولا يكون محدثا فانيا، كفرعون.
- كان كلام موسى عليه السلام متضمنا حجة قوية لإبطال ألوهية فرعون، وإنه بشر كسائر البشر، لَا يملك خلقا ولا إنشاء، ولذلك اتجه فرعون إلى رمى موسى بالجنون أولا، وتهديده بالسجن، فقال:
(قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30)
أول رمية رمى فرعرن بها موسى هي الجنون، كما كان المشركون يقولون ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي ذلك تسرية عن النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، وأكد فرعون جنون موسى بـ إنَّ، وبلام التوكيد، وبالجملة الاسمية، وذكره بوصف الرسالة تهكما وإمعانا في الإنكار والتنفير، وأنه مع جنونه المدعى أرسل إليكم، وفى ذلك تحريض على استنكار رسالته كأنه يقول: اختير لكم رسول مجنون.
ولكن موسى كليم اللَّه لم يرعه ذلك الكلام الباطل، ولم يهتز له، بل استمر فِى بيان بطلان ألوهية فرعون، فقال أن ربه رب الكون:
(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28)
أي أن أقصى سلطان فرعون أن يكون في مصر، ومصر ليست إلا جزءا من الأرض، والرب الخالق يكون رب الجميع من سكان الأرض، والسماوات، والشرق والغرب، فهل تستطيع أن تدعي هذا؟ بل إنك لَا يمكن أن

الصفحة 5348