كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

تتطاول إلا على أهل مصر، الذين تعودوا الخنوع لحكامهم في ماضيِهم وحاضرهم، فقول موسى عليه السلام لطاغوت مصر عن رب العالمين
(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) إبطال واضح لألوهية فرعون المدعاة، وقد التفت موسى إلى من حوله الذين ينادون بألوهيته فقال محرضا لهم على التفكير بعقولهم، فقال: (إِن كنتُمْ تَعْقِلونَ) أي إن كنتم ذوي عقل تعقلون، وتعلمون أن الألوهية ليست أجزاء مجزأة، إنما هي سلطان على الوجود كله.
عندئذ أيقن فرعون أنه ينكر ألوهيته، وأنه يحرض من حوله على إنكارها، ويدعوهم إلى إعلان بطلانها، هذا وفي ذكر المشرق والمغرب بيان لقدرة اللَّه تعالى الباهرة، وتنبيه إلى ما يشاهدونه كل يوم من شروق الشمس وغروبها في المغرب، والشمس بذلك تنتقل في مداراتها، فهل فرعون يفعل هذا، إنه ليس برب، ولا بإلهٍ.
اتجه فرعون إلى حجته التي يحسبها دامغة، وهي ذريعة الطغيان فقال:
(قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)
اللام هي الممهدة للقسم، وقد أكد تهديده بقول يشبه القسم، أو أقسم بما يقسم به مثله في طغوانه، واتخذت معناها: جعلت لك إلها غيري، وكأن
الألوهية أمر يجعل، وليس إذعانا لحقيقة ثابتة في الوجود يخضع لها العبد بسلطان الربوبية وبسلطان الفطرة المدركة الواعية، وذلك ضلال كل من كان الطاغوت ديدنهم الذي لَا يخالفونه، (لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) هذا تهديد لموسى عليه السلام، أي لألقين بك في السجن، حيث لَا تستطيع قولا، وتكون في ضمن المسجونين الذين لَا يسمع لهم صوت، ولا قول.
ولكن موسى كليم اللَّه لم يرعه ذلك، ولم يرهبه، بل أخذ يدير القول إلى الحجة والبرهان فقال لفرعون:
(قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30)
كان فرعون رجلا يؤمن بالأمر المحسوس، فجاراه موسى عليه السلام فيما يؤمن فقال ما قال: (أَوَلَوْ جِئْتكَ) الواو عاطفة على فعل محذوف تقديره يناسب

الصفحة 5349