كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

المقام، وكأن سياق القول أتسجنني، ولو جئتك بشيء مبين، أي بحجة واضحة مبينة لرسالتي، ولبطلان ألوهيتك وعجزك، والشيء هو المعجزة الكبرى التي جاء بها موسى في ضمن تسع آيات بينات، وعبر بشيء في هذا المقام لأن العصا، وما معها شيء، ولتقريب القول إلى فرعون، ولتكون الحجة نتيجة لما يقاوله ويبطل قوله.
وفرعون يحسب أنه يعجز عن أن يأتي، فيقول:
(قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)
أي إن كان شأنك أنك صادق في زمرة الصادقين ولست كذابا ولا بهاتا، ولا مفتريا على فرعون وألوهيته.
* * *
المعجزة
* * *
(فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)
الفاء عاطفة تفيد الترتيب والتعقيب، أي أنه بمجرد أن طلب الدليل جاءه تباعا معقبا للطلب، وكان الجواب عملا وليس قولا، ألقى عصاه في الأرض، فإذا هي ثعبان، (إذا) للمفاجأة أي فوجئ الناظر، فوجدها ثعبانا مبينا أي واضحا بينا،
وأتبعه بمعجزة أخرى، وأخرج يده، ففوجئ أيضا بأنها بيضاء للناظرين، وكان قد أخرجها من جيبه، فإذا هي بيضاء من غير سوء، كما قال تعالى في سورة القصص (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ).
ويظهر أنه لم تكن يده في أصل خلقته بيضاء ناصعة البياض، فتغير لونها مفاجأة إلى ناصعة يعد معجزة حسية في ذاتها، وهي تومئ إلى أن يده ستكون مقدم خير على بني إسرائيل، وعلى مصر، إذ تكون قاضية على طغيان فرعون، ثانيا: حيرت المعجزة أو المعجزتان فرعون فرمى موسى بأنه ساحر ماهر عليم بالسحر، وأنه يريد بهذا السحر أن يخرج أهل مصر من أرضهم

الصفحة 5350