كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

(فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)
لم يكونوا مؤمنين بفرعون الإيمان كله، بدليل أنهم طلبوا منه أجرا على عملهم، وكان عدولا في طلبهم؛ لأن حدودا الأجر بالوصول إلى الغاية كالطبيب الذي يطالب بالأجر على الشفاء لَا على العلاج والعمل، ولذا قالوا مؤكدين في حال الغلب (إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) فأكدوا الأجر في حال الغلب بعدة مؤكدات أولها (كُنَّا)، لأن كان تدل على الكينونة الثابتة المستمرة التي تكون بعد المعركة والمغالبة، وثانيها - نحن - فهي تأكيد للضمير في (كُنَّا)، وثالثها - ذكر الغالبين بالوصف والتعريف، أي ولم ننهزم أمام موسى، بل غلبناهم، وهكذا ابتدءوا.
أجابهم فرعون بقوله:
(قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)
أقر طلبهم أولا،
بقوله (نعم) الدالة على استحقاقهم، وعدالة طلبهم، وقرر جزاءين:
الجزاء الأول: الأجر، وقال: إن لكم لأجرا مؤكدا الأجر بأنه لهم.
واستحقاقهم، وإنه أجر كبير لتنكير أجرا، أي أجرا عظيما لَا يقادر قدره.
والجزاء الثاني: الذي يعد جزاء كبيرا عند الملوك والطغاة، وهو أن يكونوا مقربين، وهذا التقريب إليه، يتضمن مزايا معنوية في نظرهم، وهو الرضا السامي، كما كنا نسمع من عبارات الثناء على المقربين عند الملوك والذين كانوا يقلدون فرعون في طغوانه، وإن كانوا في معاملة الرعية شرا منه، ويتضمن مزايا أخرى بأنهم ينالون جزاء مما يسلط على العباد بتسليطهم، ويتضمن مكاسب مادية من السعاية والإفساد، وقد أكد قربهم منه بمؤكدات أولها: إنَّ، وثانيها: اللام، وثالثها: الحكم بأنهم يكونون من ذوي الزلفى المحيطين به، فيكونون في ظلامه وظلمه، وبين أن ذلك نتيجة عملهم وذلك بالتعبير بـ (إذن) أي أنه نتيجة عملكم، حثا لهم على الجد والعناية.
* * *

الصفحة 5353