كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

التعذيب بقطع الأيدي والأرجل من خلاف، وثانيها - القتل، وثالثها - التصليب؛ ليكونوا عبرة لغيرهم، إذ هم أول من شقوا عصا الطاعة، ونبذوا ألوهيته وراء ظهورهم.
هذا صوت التهديد الفرعوني فلنسمع صوت الإيمان، فقد أجابه المؤمنون بقولهم:
(قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)
الضَّير: المضار وإيقاع الضرر، أي لَا تملك أن تضارنا، فإنا قد عرفنا ما عندك، وقدرة ربنا، وأن ما عندك أمر ضئيل إلى زمن محدود، وما عند اللَّه باق لا ينتهي، وضررك ضرر عاجل موقوت ندفعه ويدفعه اللَّه عنا بخير دائم غير موقوت، وكأنَّهم لقوة إيمانهم يقولون: ما أنت، وما عذابك؟ إنه أذى ساعة، وما عند اللَّه خير دائم: (إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ) انقلب إليه، أي ترك ما هو فيه راجعا إلى الخير العظيم، و (إِلَى رَبِّنَا) متعلق بمنقلبون، وكان تقديمه لبيان الاختصاص وأنهم يرجعون إلى ربهم، لَا إلى غيره من أشباه فرعون.
(إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)
إيمان قوي وصبر على البلاء، ورجاء ما عند اللَّه العزيز الحكيم، وذكروا طمعهم في غفرانه، ولم يذكروا تأكدهم منه؛ لأن شأن المؤمن الذي يذكر سيئاته أن يرجو ولا يطمع، ويخاف ولا يتأكد، ولتذكرهم لما أخطئوا به في جنب اللَّه لم يذكروا في طمعهم إلا أن يغفر لهم خطاياهم، والخطايا جمع خطيئة، وهو الإثم الذي استغرق النفس حتى امتلأ بالباطل، وكذلك كانوا في عهد الرحمن، وأي خطيئة أعظم من أن يعبدوا فرعون وهو الجبار حتى طمع فيهم وأذلهم، وأذل أرض مصر ومن فيها.
وقد قالوا في الخير الذي فعلوه مقابلين به الطمع في الغفران (أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) من أهل مصر قوم فرعون، وأن وما بعدها مصدر في موضع جر باللام المحذوفة. وتقدير القول، لأن كنا أول المؤمنين أي لكوننا أول المؤمنين.
* * *

الصفحة 5357