كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

الفاء للعطف مع الترتيب والتعقيب، أي أنه سبحانه بعد هذا الفزع بين مآل أمرهم، وقد يقال: يكون إغراقهم معقبا لقول فرعون مع أن بينهما حوادث، والجواب عن ذلك الإشارة إلى أن اللَّه تعالى قدر ذلك واقعا وتكوينا، عندما أخذ فرعون الطاغي ومعه ذلك الذعر، فكأنه وقع عقبه، لتأكد وقوعه.
الجنات - هي مصدر ذاتها، فكأنها لعموم زرعها وثمارها، وأنها في وسط الصحارى من حولها شرفا وغربا، كأنها جنات في أعلاها وأدناها، وعيون، جمع عين، وهي الماء الثر النابع من جوف الأرض، وفي ذلك إشارة إلى نيلها السعيد الذي يجري من أعلاها لأدناها، وقد كانت الآبار بين مصر وليبيا، تجري فيها عيون الماء، فتخصبها، وكانت الأرض بينها وبين تونس، وكانت تسمى أفريقيا، وكانت أرضها مملوءة في باطنها بالمعادن والفلزات، وكنوز من سبقوهم من الفراعنة، كما لَا تزال آثار من قبل فرعون موسى، مملوءة بالآثار الدالة على قوة سلطانهم وثرائهم، والكنوز، الآثار أو كل ما استبطنته الأرض من معادن وكنوز - ومقام كريم - أي المقام اسم مكان من قام يقوم، أي مقام طيب حسن مع الاحترام والإجلال، وهي المنازل المشيدة.
ولمن تكون هذه المنازل بعدهم قال تعالى:
(كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)
أي أخرجناهم ذلك الإخراج من الجنات والعيون والكنوز، والمقام الكريم لنورثها بني إسرائيل، فنجعلهم ورثتهم، وقد كانوا يستضعفونهم، ويذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وكان ذلك ظلما، فأورث اللَّه المظلوم ظالمه، وهذا كقوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5).
(فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)
لم يحس قوم فرعون بهم إلا في الصباح، (فَأَتْبَعُوهُمْ) أي ساروا وراءهم ولحقوهم، يقال اتبعه أي لحقه، وسار سيرا مسرعا وراءه، و (مُشْرِقِينَ)، أي وقت الشروق متجهين شرقا وراءهم، فقد اتجهوا إلى ناحية البحر الأحمر، حيث المعجزة الظاهرة الباهرة، وهو فلق البحر كل فرق كالطود العظيم، وقد جد جيش فرعون الذي دعا فيه بالنفير العام حتى تراءى لهم ففزع بنو إسرائبل منهم؛ لأن سابق الأذى خلع قلوبهم خلعا، ولذلك كان الخوف الشديد وقال تعالى:
(فَلَمَّا تَرَاءَا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)

الصفحة 5360