كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

وأزلفنا، أي قربنا إليهم الآخرين، وهم فرعون وقومه، قربوا حاسبين أنهم ناجون كما نجا بنو إسرائيل، وحسبوها نعمة لهم و (ثَمَّ)، ظرف بمعنى مكان، الآخرون هم قوم فرعون، ووصفوا كذلك لأنهم متأخرون في اعتقادهم وعملهم وجاءوا متأخرين في سيرهم.
(وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66)
أنجى اللَّه موسى ومن معه من بني إسرائيل، وربما من قد آمن معهم من أهل مصر، كما آمن السحرة، ولذا أكد سبحانه وتعالى بما يفيد إغراقهم جميعا.
وكأن التعبير يتم للدلالة على فرق ما بين النجاة والإغراق والرشاد والضلالة، والعدالة والطغيان.
وإن هذه آية حسية عظيمة، ولذا قال تعالى:
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67)
أي آية دالة على رسالة موسى عليه السلام، وعلى قدرة اللَّه تعالى القوي القهار، وأنه وحده القادر على كل شيء، وأن الكون كله قبضة يمينه، و (آية) جيء بها نكرة لعظمها، وأنه لَا يقادر قدرها، ولا يعاظم أمرها، ولكن هل آمن كلهم، أو جلهم، قال تعالى:
(وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ)
هذه الجملة تدل بظاهر اللفظ أن الأكثرين لم يؤمنوا، فلم تأخذهم هذه الآية الباهرة إلى الإيمان واليقين، وتدل بمطويها أن من المصريين من آمن واتبع موسى عليه السلام.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)
استأنف اللَّه تعالى القول ببيان قدرته الظاهرة، وحكمته الباهرة، فقال: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) أي إن الله تعالى الذي خلقك وقام بربوبيته لحمايتك، وهو الحي القيوم، لهو العزيز، الغالب، الرحيم، فيما يعمل مما يسوء الظالمين ويكافئ المحسنين، وقد أكد اللَّه تعالى عزته ورحمته بعدة مؤكدات هي إنَّ، وذكر الربوبية، وباللام، وبضمير الفصل، وإن رحمته بادية في نظام هذا

الصفحة 5362