كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

جاءت في هذه السورة قصة إبراهيم بعد قصة من قصص موسى عليه السلام، لأن قصة موسى تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - بهلاك فرعون في طغيانه، وكيف غرق فرعون ومن معه من المعاونين الممالئين؛ لكي يكون ذلك بشارة بنصره على قريش، مهما يكن طغيانهم، فلن يكونوا كفرعون ذي الأوتاد.
وفى قصة أبي الأنبياء إبراهيم بيان لهم بما كان عليه أبو العرب الذي يفخرون بالانتساب إليه، وإنه محتدهم، وإنهم ضئضئ إبراهيم وذريته.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ).
الواو في معنى العاطفة، إذ فيها عطف قصة على قصة، والنبأ الخبر الخطير ذو الشأن العظيم، واتل أي اقصص عليهم قصة إبراهيم متلوة يتلو بعضها بعضا مرتبة منسقة ليروا فيها العبرة التي يعتبرون بها إن كانوا فرحين، جاء إبراهيم فرآهم يعبدون الأصنام فقال لهم مستنكرا لائما:
(إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70)
و (إِذْ) متعلقة بـ (اتل)، أي اتل عليهم ماذا كان في ذلك الوقت، وقرب أبيه لقومه لبيان أن أباه في قرن معهم مساو لهم في الدعوة، وإذا كان قد طلب الغفران له ثم تاب عن ذلك، فهو معهم في الدعوة على سواء، والاستفهام إنكاري أو للتنبيه وطلب الإجابة؛ ونقول: إن الأول هو الأظهر والأبين.
أجابوه بقولهم:
(قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71)
لقد أجابوه، لأنهم لم يفهموا وجه استنكاره أو ظنوا أنه لَا وجه للاستنكار، والأصنام هي الحجارة التي نحتت تماثيل ليعبدوها، وقد جاءت بعض الروايات تقول: إن أباه كان يصنعها، ولعل ذلك وجه من ذِكْر أبيه مع قومه ابتداء.
والفاء في قوله تعالى: (فَنَظَلُّ) فاء الإفصاحِ، لأنها تفصح عن شرط محذوف، ونظل هنا بمعنى ندوم على عبادتها (عَاكفِين) أي مستمرين في عبادتها لا نني عن ذلك ليلا ولا نهارا، لَا في وقت معين.
وهنا نجد إبراهيم يبين لهم بطلان هذه العبادة، لأن المعبود يجب أن يكون أعلى من العابد كيانا، وأنفع وأضر، فقال لهم خليل اللَّه تعالى:
(قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)

الصفحة 5365