كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

أول سؤال إنكاري وجهه إليهم: (قَالَ هَلْ يَسمَعُونَكُمْ) وتنادونهم عابدين، و (إذ) ظرف دال على الماضي، وتتعلق بيسمعونكم، وكان الظرف ماضيا دالا على مضارع لتصوير جهالتهم، إذ يدعون ما لا يستطيعون جوابا، وما لَا يستطيع أقل في الكون والوجود ممن يدعوه، إذ الداعي سميع مبصر، وهذه لَا تسمع ولا تبصر، ويصح أن نقول إن (تَدْعُونَ) معناها تعبدون، وكأنهم يعبدون ما لَا يسمع، ووجودهم أقل، إذ هم أحياء يسمعون، وهؤلاء جماد لَا حياة فيه.
(أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) أو عاطفة، أي هل ينفعونكم أو يضرون؛ هل يملكون نفعا أو ضررا، وكأنه يقول لهم إن المعبود يكون موجودا، أو يكون نافعا أو ضارا يعبد رجاء نفعه أو اتقاء ضرره، ولا شيء من ذلك فكيف تعبدونهم؛ إنه ضلال العقل.
أجابوا متخلصين من الجدل الكاشف لجهلهم إنهم ما درسوا نفعهم ولا ضررهم، ولكن تبعوا آباءهم الأولين، فقالوا:
(قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74)
بل، للإضراب الانتقالي من أسئلة إبراهيم، وإحراجهم وتقرير ما عندهم من حال سوء: (وجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُون) لم يسموا ما أخذوه عن آبائهم عبادة، وكأنَّهم لَا يفهمون معنى العبادة، ولا يدركون مرمى أفعالهم، كذلك، الإشارة إلى فعلهم الذي فعلوه، أي وجدنا آباءنا يفعلون مثل فعلنا، كقول العرب في عبادة الأوثان، (بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170).
(قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76)
الفاء فاء الإفصاح وهي مؤخرة عن تقديم؛ لأن الاستفهام له الصدارة، والاستفهام للتنبيه، والمعنى فيما يفهم من كلام الله تعالى، أفرأيتم أي أشاهدتم ما تعبدون أنتم وآباؤكم الأولون إنه ضلال لَا أوافق عليه ولا أرضاه، ولذا
(فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)
الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي بسبب ذلك الضلال، والضمير في أنهم ضمير الحال. أي أن أنتم وهذه الحال التي هي

الصفحة 5366