كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

(وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)
الواو عاطفة، والجملة التماس من اللَّه تعالى ألا يخزيه يوم البعث، وذات البعث لَا خزيان فيه، إنما الخزي يوم الحساب ويوم تشهد عليهم أعضاؤهم بما فعلوا، وتنطق أعمالهم بما ارتكبوا، ولا ننسى أن الدعاء من خليل اللَّه، وكيف يتصور أن يخزيه اللَّه تعالى وهو رسوله، ولكن لفرط إحساسه بحق اللَّه تعالى يظن في نفسه القصور، ومعه الخزي، فإن دقة الإحساس تجعله يستصغر حسناته في جنب اللَّه تعالى العزيز الحكيم، وكلما قرب الإنسان من اللَّه تعالى أحس بقصوره، ولا يحس بعظمة ما فعل، ويحسب أنه من المقصرين، لَا من المقربين الصادقين.
وبين سبحانه وتعالى على لسان خليله الصافي نفسه وقلبه، فقال:
(يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)
يوم، بدل أو عطف بيان من يوم يبعثون، أي أنه في هذا اليوم لا ينفع المال ولا البنون اللذان هما عز هذه الحياة الدنيا وزينتها، كما قال اللَّه تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ. . .)، فالمال والبنون هما الزينة التي أعدت للفخر بها من أهل الدنيا.
(إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)
القلب السليم هو القلب الخالي من أوشاب الوهم والشهوة والضلال، والاستثناء هنا يصح أن يكون متصلا بأن يكون من عموم نفي النفع بالمال والبنين إلا من كان ذا مال وبنين، وأعطى المال حقه، وربى البنين وأحسن تربيتهم فكانوا له عملا صالحا دائما؛ لأنه إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له. فمع المال والولد ينفع الإنسان إذا أتى اللَّه بقلب سليم من كل المفاسد في الدنيا، ويصح أن يكون الاستثناء منقطعا بمعنى لكن، ويكون المعنى لَا ينفع مال ولا بنون، ولكن من أتى اللَّه بقلب سليم من مطامع المال وغطرسة البنين، لَا يعتز إلا باللَّه، وقد سلم قلبه وكل أحاسيسه له سبحانه.

الصفحة 5371