كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

كان الاختصام بين المعبود الباطل والعابد في جهنم، وكأنما وهب الحجارة أن تتكلم وتبين، أو هو بيان للحال التي كانوا عليها وقد تكشفت الأمور، وزال زيغ الباطل، والضمير يعود إلى الكافرين الذين أزلهم الشيطان، وقوله تعالى: (وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ) جملة حالية، أي قال المشركون، وهم يختصمون مع ما عبدوهم،
(إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97)
(إِنْ) هنا هي المخففة من إنَّ الثقيلة واسمها ضمير الشأن، أي إنه الحال والشأن كنا لفي ضلال مبين، اللام للتوكيد، وقد أكدوا ضلالهم بها، وبأن الضلال استغرقهم كما يستغرق الظرف ما فيه، أي احتواهم، وصاروا يسارعون في أرجائه من ضلال إلى ضلال، وهو بين واضح يدركه العقلاء، ولكن ضاعت ألبابهم في وسط ذلك التيه من الضلال، وقد قرروا الحق الآن، فقال:
(إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)
(إِذْ)، ظرف متعلق بـ (كُنَّا)، وإذ ظرف دال على الماضي وذكر مع المضارع لتصوير حالهم في الماضي، والتسوية بين آلهتهم ورب العالمين. موضع استنكارهم في ذلك اليوم لأنهم أدركوا أن هذه حجارة لا تعبد، بل يرمى بها، وهذا رب العالمين الذي خلق العقلاء جميعا، وقام على ربوبيتهم، فهو الحي القيوم اللطيف الخبير، ثم أقروا بمن كانوا خاضعين لهم، قالوا:
(وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99)
(مَا) نافية، أي ما أضلنا إلا المجرمون الذين اتبعناهم، وفي الواقع، إن الجو كله كان جوا إجراميا، فهم يترامون بالإجرام، وكان الإجرام فيهم جميعا؛ لأنهم اشتركوا جميعا في تكوين رأي عام فاسد، يروج فيه الباطل، ويختفي فيه الحق الصادع، فكانوا في ضلال يترامون به، ولا يخلص منه واحد منهم.
(فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102)
الفاء فاء الإفصاح؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، وتقدير القول، إذا كان الذين صاحبونا وشجعونا مجرمين، فما لنا من شفيع يشفع لنا، ويضم صوته إلى صوتنا، ولا صديق حميم يتألم معنا، ويرفع عنا مقت ربنا، أو يشاركنا، فينقص منا ما يصيبنا من مقت وسوء عاقبة، ويتمنون نادمين، ولات حتى مندم، وعدد الشافعين، لأنهم في الشدة يكونون كثيرين، وذكر الصدق مفردا لأن الصديق الحميم يكون قليلا، وليس كثيرا.

الصفحة 5374