كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

أجابهم نوح على امتناعهم عن الإيمان بسبب إيمان الضعفاء والفقراء والعبيد، وهذا من سخف تفكيرهم، وتفكيرهم المادي الذي بنوا فيه تقدير الناس على أساس قوتهم المادية الجسمية، وأموالهم، أجاب عليه السلام بقوله:
(قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) الاستفهام هنا للتنبيه إلى أنه لَا يعلم ما كانوا يعملون لنيل رزقهم، وأنه لا يهتم به، إنما يهمه فقط إجابة دعوته، وما يحرضهم عليه من تقوى وهداية، أي أنه عليه السلام لَا يهتم بالذي كانوا يعملونه وهم مستمرون على عمله سواء كانوا يمتهنون صناعات صغيرة، أو صناعات كبيرة، إن ذلك لَا يعنيه،
(إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) أي ما حسابهم إلا على ربي لو شعرتم بالحق وأدركتموه.
(وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)
نفى عن نفسه أن يكون من شأنه أن يطرد من استجاب وآمن بالحق واستجاب دعوته، أي أنه ما أرسل لتوزيع الأعمال على الناس، إنما أرسل لدعوة الحق والإيمان، وترى أن النفي لوصفه بطرد المؤمنين، فهو نفي عن شأنه بوصف كونه رسولا داعيا إلى الحق، لَا يهمه إلا استجابة دعوته.
(إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115)
(إِنْ) نافية، أي ما أنا إلا نذير مبين، أي إلا منذر مبين، فلا يهمني إلا بيان ما فيه الإنذار، وبيان ما فيه من تبشير، ويلاحظ أن قول نوح عليه السلام فيه تهديد لهم، ولذا اقتصر على ذكر الإنذار، ولم يذكر التبشير، مع أن أصل الرسالة للأمرين.
وقد أمر اللَّه تعالى محمدا - صلى الله عليه وسلم - وقد جوبه من المشركين بما جوبه به نوح عليه السلام، وقال اللَّه تعالى له:
(وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52).
وهكذا توافقت أقوال المشركين من عهد نوح الأب الثاني للخليقة إلى عهد قوم محمد خاتم النبيين، وكان الجواب واحدا أحرج قوم نوح والمبطل إذا أحرج هدد وأنذر.

الصفحة 5379