كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

الفاء عاطفة للترتيب والتعقيب، أي أنه فور دعائه أجابه،
(فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ) أي الذين معه في الإيمان والإذعان والتصديق وناصروه، وإن كانوا قليلا، وقوله تعالى: (الْمَشْحُونِ) الذي حمل فيه كل ما يحتاجون حتى تستوى على بر السلامة، وهذا قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40).
هذه عاقبة نوح، ومعه أهل الإيمان من قومه، والطائعين له من أهله، أما الباقون فقد قال تعالى فيهم:
(ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120)
والعطف بـ (ثُمَّ) في موضعه؛ لأن التفاوت بين الحالين ثابت، إذ هو بعد وتفاوت بين الإنجاء والإهلاك، ولأنه تفاوت بين غضب اللَّه على الباقين، ورضاه على المؤمنين، وقوله - بعد - فيها إشارة إلى أن الغرق كان بعد صناعة الفلك، وركوبه، ومجيء السيول المغرقة التي كان الموج فيها كالجبال، وغير ذلك مما هو مذكور بتفصيل في سورة هود.
ثم قال تعالى:
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121)
أي لمعجزة قاهرة دالة على رسالة نوح عليه السلام، وعلى قوة صبره، وعلى إيمانه بربه، ومع ذلك ما كان أكثرهم مؤمنين، بل ما آمن معه إلا عدد قليل، وهذا دليل على أن المعجزة الحسية التي كانوا يطالبون بها وقتا بعد آخر، ليس من شأنهما أن تحملهم على الإيمان حملا، إذا لم تكن النفوس راضية مرضية، متجهة إلى الايمان من غير معوق من سلطان أو مال، أو غرور مبين وقوة دنيوية.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)
أي الغالب، والرحيم، الذي يرحم عباده باختبارهم، وعقاب المسيء وثواب المحسن، وإمهالهم حتى لَا يكون أمل في رجوعهم إلى ربهم، وإنابتهم إلى خالقهم.
* * *

الصفحة 5381