كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

هى التي قدمت بها قصة نوح عليه السلام، وذكرها هنا ليس تكرارا من غير معانٍ واضحة بينة، وهي تدل أولا على أن الكافرين بالرسل لَا يعارضون الآيات، وينكرونها، إنما هم لجحودهم ينكرون أصل الرسالة الإلهية إلى البشر، فهم لا يؤمنون باللَّه تعالى، إذ لَا يؤمنون بالغيب، وإنما يؤمنون بالأمور المحسوسة فقط، والإيمان بالغيب هو التدين، كما قال تعالى في أوصاف المؤمنين الذين يؤمنون بالغيب.
وتدل ثانيا - على أن الرسل أمناء اللَّه تعالى على خلقه، وإرشادهم وتقويمهم، كما كان يقول كل رسول:
(إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125)
وهم يكونون من المعروفين بالأمانة في أقوالهم، لتكون شهرتهم بالأمانة دليلا على صدقهم ابتداء، فلا يفاجئون بما يتوهم كذبه.
وتدل ثالثا - على أن رسل اللَّه لَا مطمع لهم في أمر دنيوي، إنما يريدون الهداية والتقوى والإيمان، وأنهم لَا يرجون أجرا إلا من رب العالمين يوم تجزى كل نفس ما كسبت.
وتدل رابعا - على أن التقوى مطلب النبيين أجمعين؛ ولذلك قال كل منهم في مبدأ دعوته
(فَاتَّقُوا اللَّهَ).
وتدل خامسا - على أن طاعة الرسول واجبة لأنها طاعة للَّه تعالي، وكما قال الله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، وإن ذلك ليس تكرارا، ولكنه تأكيد بيان طبائع المشركين وبيان هداية الرسل.
ويظهر أن عادًا كانوا يعنون بالبناء والتشييد، ولذا قال لهم نبيهم:
(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131)
الاستفهام إنكاري لإنكار الواقع، إذ إنهم بنوا فعلا، والريع، اسم جنس جمعي لريعة، وهو الذي يفرق بينه وبين مفرده بالتاء المربوطة، أو ياء النسبة، والريع ما ارتفع من الأرض، وقيل: أبراج الحمام، لأنها تبنى على مرتفع وتكون

الصفحة 5383