كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

مرتفعة، وآية معناها علامة، وليس المراد منها آية الكون أو الكتاب، بل المراد مطلق علامة. ومعناها هنا أنهم اتخذوا علامات للطرقات في الجبال أو فجاج الجبال، وكانوا يتخذونها ليهتدوا في البر وفي السير، فيتعرفوا بها الطرقات حيث ساروا.
ووجه العبث في بنائها أنهم يغالون في الارتفاع بها مفاخرة، فهم يعيثون، ولا يكتفون بقدر الحاجة، وكل ما يزيد عن قدر الحاجة يكون عبثا، وكل ما يدفع إلى البطر فهو عبث، أيا كان نوعه.
وذكر الزمخشري أن العبث فيها أنه لَا حاجة إلى هذه العلامات، لأن تهديهم إلى الطرق، وكان لهم بها علم، وقد قال تعالى: (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ).
(وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)
أي تبنون أماكن وقصورا مشيدة مصنوعة صناعة محكومة تبقى على الأزمان وتناطح الدهر، لعلكم تخلدون، أي ترجون لها أن تخلدوا فيها، والمصانع جمع مصنع، وهو مكان الصنع الجيد، والصنع إتقان العمل، ويقال للحاذق المجيد صَنَعٌ بفتحتين، وللحاذقة المجيدة صناع، ويقال صنَّاع، فالمصانع، القصور المجود بناؤها، المزخرف طلاؤها، وكأنهم يرجون أن تكون جنتهم التي يخلدون فيها.
وقد بين سبحانه، أنهم يبنون، ويستعلون عابثين، ويبنون القصور المشيدة لعلهم يخلدون، وذلك لتكون لهم السلطة والقهر والغلب، ولذا قال في وصفهم عز من قائل:
(وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)
الخطاب لعاد قوم هود، وهو وصف لحالهم وهو أنهم جبابرة في طغيانهم، والتجبر، يدفع إلى الأذى والسيطرة بالباطل، والتدابر والتقاطع وإن هذه حالهم، القوي فيهم يأكل الضعفاء، فالحقوق مهضومة، والباطل رافع رأسه فيهم،

الصفحة 5384