كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

النحل (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) والبنون هم قوة النفر، وبها يكون السلطان القوي، وبالمال وبالبنين تكتمل زينة الحياة الدنيا، كما قال تعالى: (المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. . .).
فإذا كنتم تبطشون بهذا الخير الذي أمدكم، فاذكروا في أوقات بطشكم من أعطاكم ما اتخذتموه سببا، واجعلوه سببا للتقوى وشكر النعمة.
(وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)
والجنات جمع جنة، وهي تشمل النخيل والكروم، والعيون عيون الماء التي يكون بها سقيهم ورعيهم، ونباتهم وكلؤهم التي ترعى فيها أنعامهم، فكل هذه نعم توجب الشكر، وتوجب امتلاء القلوب بتقوى من أمدهم بها، ومكنهم بمعايش في الأرض جعلت لهم قوة، فلا يصح أن يبطشوا، بل يشكرونها، وتمتلئ بخوف معطيها، لأن من يمنح يمنع، ولأنه يريد السعادة للناس، ولذا قال لهم:
(إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135)
وقد ذكرهم بنعمه أولا، وأشار إلى أنهم اتخذوا هذه النعم ذريعة ليكونوا أقوياء باطشين، لَا أن يكونوا شاكرين، وقد أنذرهم بعد بعذاب اللَّه تعالى التي ينزل بمن يظلمون ويفسدون في الأرض، فإنه لَا يفسد الأرض غير الظلم والطغيان، قال الرسول الشفيق بقومه: (إِنِّي أَخَافُ) مشفقا عليكم منذرا لكم (عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم) وهو يوم القيامة، يوم لَا ينفعهم مال ولا بنون إلا من أتى اللَّه بقلب سليم، وقد أكد العذاب وإن، وبوصف العذاب بأنه عظيم لَا يقادر قدره، وكان تنكيره لبيان كبره وشدته، وأنه فوق التقدير والوصف.
ذكرهم بالنعمة، ثم أنذرهم بالجزاء، ولكن لم يرعووا، ولم يستيقظوا، وكانوا في عمياء ضالة، ولذا رأوا هذا وقالوا:
(قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)

الصفحة 5386