كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

الوعظ يجمع بين معنى التذكير بالخير، وإثارة النفس إلى الخير، والزجر المقترن بالتخويف، وقد جمع كلام نبي اللَّه هود على المعنيين، فهو أولا ذكرهم بالنعم التي هي خير محض، ثم أنذرهم بالعذاب الشديد، فقالوا مصرين على ما هم عليه
(قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ)، أي تساوى عندنا حالك إذا كنت الواعظ المذكر بالنعم، والمنذر بالنقم، أم لم تكن من الواعظين، بأن تركتنا في أمورنا، وحالنا.
ولم يكتفوا بذلك بل تهجموا على ما يدعو إليه، وقالوا:
(إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)
و (إِنْ) نافية، أي ما هذا إلا خلق الأولين، وفي النص الكريم قراءتان:
إحداهما - بضم الخاء واللام، والمعنى على هذا يتضمن أولا أن ما هم عليه من شرك، وقد اتبعوا فيه آباءهم، كما قال المشركون ة وجدنا عليه آباءنا، ويتضمن ثانيا أن ما هم عليه من بطش جعلهم جبارين هو خلق الأولين من قومهم، ولذا عبروا بخلق بدل دين ليشملهما معا.
والقراءة الثانية هي (خَلْقُ) بفتح الخاء وسكون اللام، ويكون المعنى إن هذا الوعظ إلا ما اختلقه الأولون وافتراؤهم، كما قال المشركون عن القرآن الكريم، (إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ).
ولشدة غرورهم وعظم تكذيبهم قالوا:
(وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138)
الباء لتأكيد نفي التعذيب، وإن ذلك النفي يتضمن ثلاثة أمور: أولها - أنهم لغرور يقررون أنهم لَا يعذبون، وليس من شأنهم أن يعذبوا، ويتضمن ثانيا إنكار البعث وتلك خلة الكافرين، ويتضمن ثالثا، أنه إن كان بعث فلن يكون العذاب نصيبهم، بل تكون حالهم في الآخرة هي حالهم في الدنيا، ذلك ما يأفكون به، وهم الضالون.
ولقد كان الهلاك هو نهايتهم، ولذا قال تعالى:

الصفحة 5387