كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

يقربهم إلى اللَّه زلفى هو أن يملئوا نفوسهم بالتقوى، حتى يعمر قلبهم بالإيمان به، ويبتعدوا عن التمرد، وينتقلوا من طريق الشر إلى طريق الخير، فيأمرهم بتقوى اللَّه وطاعته، لأن طاعته طاعة للَّه تعالى، وقد أشرنا إلى ذلك في معاني الآيات الأولى لقصة هود وعاد، وهذا هو معنى الآيات الخمس الأولى من قصة صالح وثمود، وهي قوله تعالى:
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145).
ابتدأ سبحانه وتعالى بأن خاطبهم أخوهم صالح، يذكر لهم أنهم قد أوتوا نعما، فلا يمكن أن يتركوا هملا من غير مسئولية على ما حملوا من نعم، فبقدر النعمة تكون النقمة، كما قال تعالِى: (أَفَحَسِبْتمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)، فقال لهم
(أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)
أتتركون - الهمزة للاستفهام الإنكاري بمعنى نفي الوقوع، أي لَا تتركون فيما هاهنا، أي في هذا المكان آمنين، أي لَا تتركون في هذا المكان آمنين من الموت والحساب والعقاب أو الثواب إن حبستم أنفسكم، ولكن الموت حق عليكم وهو يأتيكم بكل الأسباب، وذلك يستدعي أن تفكروا في عواقب أموركم، ولا تحسبوا أثها نعمة لَا حساب عليها، ولا عواقب تعقبها، إن خيرا فالنعيم بعدها، وإن شرا فالعذاب الأليم من ورائها.
(فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)
الجار والمجرور متعلق بـ تتركون، أو بـ آمنين، والجنات جمع جنة والعيون عيون الماء المثمرة كما أشرنا من قبل، والجنات الأشجار الباسقة من كروم، وتفاح ورمان وغيرها، وزروع، جمع زرع وهو النبات الذي يكون منه الحب المتراكب ويتغذى منه الإنسان، والذي يكون منه السنابل من قمح وأرز وغير ذلك من النعم التي أنعم بها على الإنسان في غذائه، ويشمل النبات والحشائش التي تكون كلأ الأنعام، وخص النخل بالذكر، لأنه كان غذاء العرب،

الصفحة 5390