كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

حتى سمى العرب أمة التمر واللبن، وكان ذكره بعد النبات لبيان إنعام اللَّه تعالى على الإنسان بالغذاء بكل أنواعه، فأهل المدر غذاؤهم من النبات ذي الحب المتراكب، وفرى السنابل، وأهل الوبر غذاؤهم من النخل في أكثره، واللَّه هو المنعم للفريقين.
والضمير في قوله تعالى:
(طَلْعُهَا هَضِيمٌ) يعود على النخل؛ لأن النخل أنثى، أو لأنه جمع ما لَا يعقل، إذ النخل اسم جنس جمعي للنخلة، ويفرق بين المفرد والجمع بالتاء أو ياء النسب، وقد فرق بينهما هنا بالتاء.
والطلع، ما يطلع من جوف النخل كنصل السيف، والهضيم اللطيف المنضم المتلاصق في وعائه في الجوف قبل أن يظهر، وهو اليانع النضيج، وهذه الأوصاف تكون بحسب الحال، وبحسب المآل إذ يكون منه البلح الرطب، وأجود التمر.
بعد ذلك ذكر نعمة عليهم، ولهم فيها عمل بتهيئة الأسباب، فقال تعالي:
(وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)
في فارهين هذه القراءة، وفيها قراءة أخرى فَرِهين، وكلاهما بمعنى واحد، ولا اختلاف في المعنى بين القراءتين، أي يبنون في الجبال بيوتا، لَا بلبنات ينقلونها، بل بنحت فيه تسوية وبرد، وإذهاب أجزاء وإبقاء أجزاء، (فَارِهِينَ) حال ومعناها حاذقين متحصنين بها معجبين متجبرين.
وهذا الكلام من اللَّه سبحانه وتعالى يفيد أنهم في نعم بما في الأرض من جنات وعيون، وزروع ونخل طيب وبيوت تنحتونها وتسوونها من الجبال، ويحسبون أنهم متروكون ويأكلون ويشربون، ويتلهون متجبرين عابثين.
(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)
الفاء هنا للإفصاح، أي إذا كنتم على هذه الحال من النعم التي أحاطت بكم، فاتقوا اللَّه، أي فاملئوا أنفسكم بتقوى اللَّه ومهابته شكرا للنعمة، وتوقعا

الصفحة 5391