كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

(فَعَقَرُوهَا ... (157)
أي نحروها، وذلك لوسوسة الشيطان لهم؛ ولأن النفس تحاول معرفة الغريب من الأشياء، وهي مولعة بالغريب من الأمور، ولقد كان وجودها بينهم فوق أنها دلالة النبوة، ومعجزة النبي مثيرة لاستغرابهم، وحملهم على الضبط، فلما عقروها، وقدروا خواصها (فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ) على فعلتهم، لما فاتهم من خيرها، ولأنهم رأوا خواصها، ولأنهم توقعوا العقاب الأليم بعدها، ولذا قال تعالى فيهم: (فَآصْبَخوا نَادِمِينَ)، أي أن الندم استغرقهم، وصار حالا دائمة لهم.
والعاقر بلا ريب بعضهم، ولكنه برضاهم؛ لأنهم لم ينهوه، فنسب الفعل إليهم، لأنهم لم يتناهوا عن هذا المنكر الذي نبهوا بالنهي عنه تنبيها شديدا وأنذروا بعذاب يوم عظيم.
ولم يمنع الندم العذاب عنهم
(فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ ... (158)
أي أن العذاب سيطر عليهم كأنه أخذهم إليه أخذا. وقال الحافظ ابن كثير في هذا العذاب: هو أن أرضهم زلزلت زلزالا شديدا، وجاءتهم صيحة عظيمة اقتلعت القلوب من محالها، وأتاهم من الأمر ما لم يكونوا يحتسبون وأصبحوا في ديارهم جاثمين.
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) الإشارة إلى الناقة وهي معجزة، وعقرها، ونزول العذاب بعده، وهذه كلها آيات بينات على نبوة صالح، وعلى قدرة اللَّه الباهرة، وعلى فرض الضلالة الظاهرة.
ومع هذه الآيات (مَا كَانَ أَكثَرُهُم مُؤْمِنِينَ) بل كان المؤمنون هم القلة الظاهرة، لأن إبليس يجري في نفوس أتباعه مجرى الدم، والله بكل شيء عليم.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159)
الخطاب لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ليسليه بهذا القصص الحكيم المشتمل على العبر ليصبر كما صبر قبله النبيون، وليعلم أن المعجزات الحسية لَا تتبعها الهداية الحتمية، والقرآن هو المعجزة الكبرى، وإن لم تكن في إعجازها حسية، والعزيز هو الغالب القوي العليم بالنفوس وشقوتها وسعادتها، وهدايتها وضلالها.
* * *

الصفحة 5395