كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

وتدل ثانيا، على أن الرسول يكون من بينهم، ولذلك عبر عنه بأنه أخوهم وقبل ذلك في نوح وهود وصالح، ويقال في لوط أيضا.
وتدل ثالثا، على أمانة من أرسل إليهم، وأنهم عرفوا بين أقوامهم بذلك، وتدل رابعا، على أنهم لَا يطلبون أجرا من جاه أو من مال إنما يطلبون الأجر من عند اللَّه وحده.
وقد أشرنا إلى ذلك من قبل، وقد خاطب بعد ذلك نبي اللَّه لوط قومه مستنكرا شنيع أفعالهم، فقال عليه السلام فيما حكاه اللَّه عنه من
(أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165)
الذكران جمع ذكر كذكور، ولكن جاء النص كذلك ليكون تشنيعا أشد، وأحسب أنه لَا يكون ذكرانا جمعا إلا لذكور الإنسان، وفي التعبير (أَتَأتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ) كناية لطيفة، والاستفهام لاستنكار الواقع بمعنى التوبيخ وبيان شناعة العمل، لأنه ضد الفطرة، وعبر بالإتيان كإتيان الرجل المرأة، ولكنه في دبره، فهو إفساد للفطرة، وأحسن من عبَّر عنه بالشذوذ الجنسي؛ لأنه دليل على فساد الفطرة وشناعة الفعل في ذاته، وقوله تعالى (مِنَ الْعَالَمِينَ) أي من أهل المعرفة والعلم، ولا يرضى بذلك إلا من هو أشد فسادا من الفاعلين، وإن ذلك يشيع ويكثر كلما فسدت الفطر، وقد كثر في الماضي في قوم لوط، وكثر في الحاضر في أهل أوربا وأمريكا، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه.
وإنهم ليتركون الفطرة، ولذا قال تعالى:
(وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)
تذرون، فعلها الماضي لَا يُذْكَرُ، ولكن الزمخشري ذكره في كتابه أساس البلاغة ونص على أنه يقال: ذروا هذا الأمر، فيقولون (وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم) تدل على الترك والإهمال، وتلك إحدى الكبر، كأنهم يرتكبون أمرين: أولا الفعل مع الذكران، وإهمال الأزواج، ولذلك قالوا إن التعبير بـ (تَذَرُونَ) أبلغ من تتركون، والآية تدل على أن الفطرة

الصفحة 5397