كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

تعالى: (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) أي ليس أجرا إلا ما يكون من الله تعالى، بثواب من عنده، ورضا من لدنه، وهو أكبر من كل جزاء.
ابتدأ شعيب دعوته في قومه بعد ذكر الأمانة التي توجب التصديق، فقال:
* * *
(أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)
* * *
يظهر أن مدين أو أصحاب الأيكة كانوا قوما تجارا، وإن الشرائع السماوية جاءت لمنع الاعتداء على المال، وعلى الأنفس، وإذا كانوا تجارا، كاهل مكة فإن أخص ما يدعون به ألا يطففوا الكيل والميزان، ولذا كانت أخص دعوة شعيب بعد التوحيد ألا يطففوا الكيل والميزان حتى لَا ينالهم الويل الذي هدد به في قوله تعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3).
قال شعيب لقومه:
(أوْفُوا الْكيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ).
أوفوا الكيل، أعطوه في معاملتكم وافيا، كامل الوفاء غير منقوص، (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) المخسر هو الذي ينقص المكيال، فيدفع معامله إلى الخسران، بألا يخسره ولا يعطيه حقه، وقوله تعالى: (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) أبلغ في الدلالة من ولا تخسروا، لأن معنى لَا تكونوا من الطائفة التي اعتادت الإخسار، لَا تكونوا في صفوفهم فتصاب تجارتكم بالكساد، لأن الناس لَا يقبلون على الشراء، إلا ممن استقام في طريقته، وأعطى المتعاملين حقوقهم، ولأن الإخسار أكل مال الناس بالباطل، ولأنه ظلم، والظلم نتيجته وخيمة دائما.
(وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182)
القسطاس، الميزان الذي يوزن به، ومعنى (وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ)، أي زنوا بالميزان المستقيم الذي لَا يظلم في ميزانه، بل يكون في اعتدال واضح، وهو

الصفحة 5402