كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

يتضمن نوعين من النهي: أولهما - ألا يكون الميزان غير منتظم في رفعه وخفضه، والثاني - ألا يتعمد الخلل فيه، فيخفضه ويرفعه كما يريد كما يكتال ظالما، وكما يكيل ظالما، وإن ذلك إفساد للثقة التي هي أساس التعامل العادل، وأكل لمال الناس بالباطل، وظلم مبين، وإفساد للعلاقات الإنسانية التي تربط الناس بعضهم ببعض.
(وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)
الأموال من حيث تقديرها تنقسم إلى قسمين: أموال مثلية وحداتها متحدة في القيمة إذا توافر اتحاد الجنس والنوع والصفة في جودة أو رداءة، وهذه تقدر بالكيل أو الوزن، وقد نهى سبحانه على لسان نبيه شعيب عليه السلام من التطفيف فيها.
والقسم الثاني أموال قيمية لَا يحد قيمتها الكيل والوزن، ولكن يحد قيمتها تقويم المقومين، وهنا يجري فيها البخس والشطط، ولقد نهى سبحانه في هذا النص عن البخس بأن تقوَّم بأقل من قيمتها، وكل نقص في القيمة هو نقص في المالية فيكون فيه الظلم، وأكل أموال الناس، ولذا قال اللَّه تعالى على لسان (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ)
أي لَا تنقصوا قيمة ما عند الناس، والمعنى الظاهر لَا تبخسوا أشياء الناس، ولكن عبر ذلك التعبير القرآني السامي العميق لفائدتين جليلتين - أولاها - أن بخس قيم الأشياء بخس للناس أنفسهم، فمن بخس تقدير القيم، فقد ظلم، وأعظم الجريمة. الفائدة الثانية - أن في ذلك إبهاما ثم بيانا، فيكون ذلك توكيدا للمعنى فضل توكيد.
وبعد أن نهى عن تطفيف الكيل والميزان، وبخس قيم الأشياء. نهى عن الاعتداء بشكل عام، فقال عز من قائل:
(وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)

الصفحة 5403