كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

وذلك يشمل إفساد زرع غيره، أو منع الماء عنه، أو إتلافه، أو ألا يعطيه حقه من الماء، أو ما يجري بين المختلطين من مساحة، والعثى أو العثو، الفساد النفسي أو المادي، ونميل إلى العثى النفسي، والمعنى القصد إلى العثو مفسدين حال مؤكدة لمعنى العثو، لأن العثو يؤدي إلى الفساد في الجماعة، فيتقاطعون، ويتدابرون.
(وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)
الواو عاطفة، أي خلقكم وخلق الجبلة الأولين، والجبلة الجماعات المجبولة على سير وأخلاق سبقوا إليها، سواء أكانت خيرا أم كانت شرا، والسياق يقول اتقوا الله، واملئوا قلوبكم بالخوف منه، أنتم والذين سبقوكم، وجبلوا على ما سلكوه واتبعوه، والأمر بالتقوى لهم، ولمن جبلوا عليه، ليصادرهم في دعواهم، إنهم يتبعون ما كان يعبد آباؤهم، فالتقوى مطلوبة منكم، وممن سبقوكم، وإن كانوا يجأرون بالشرك فإنهم مطالبون بالتقوى كما تطالبون.
دعاوى واضحة في إقامة العدل في المعاملات الإنسانية التي تقوم عليها المعيشة ليستقيم أمر الناس في هذه الحياة العاملة الكادحة، والتي يقرها أهل العقول جميعا، ولكن قومه يقولون متمردين:
(قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186)
الْمُسَحَّر - الذي سحر أي صار مسحورا بقوة، والتضعيف لتشديد وقوعه تحت السحر، كما قال تعالى عن بعض الرسل (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا).
وقيل: المسحَّر الذي يملأ سحرته وهي الرئة، وبذلك يشيرون إلى أنه محتاج إلى طعام يأكله، ولذا كانت كل أوامره في الكيل والوزن.
والأول هو الواضح الأوضح، وأكثر الأنبياء لقوة نفوسهم، وسيطرتهم على العامة من أقوامهم رموا بالسحر، وقد رمي به محمد - صلى الله عليه وسلم -، (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا).

الصفحة 5404