كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

فصاحته، وهم في ردهم له يخالط نفوسهم بحلاوته وجلاله فهو مذكور عند المؤمن به، والجاحد له.
وقد وصفه اللَّه سبحانه وتعالى بثلاث صفات معلية له مشرفة بنسبته فوق شرفه الذاتي من بلاغة وشمول الشرع.
الأولى - أنه تنزيل من رب العالمين، والتنزيل النزول جزءا بعد جزء منجما مقطعا، ليسهل حفظه، وليرتل ترتيلا، وليعلم النبي قراءته وتلاوته، ويتعلَّمها منه أصحابه، وبذلك تكون تلاوة القرآن مرتلا متواترة، كما قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وقد أشرنا إلى ذلك في عدة مواضع عند ذكر معاني الذكر الحكيم.
الثانية - أنه نزل بالوحي نزل به الروح الأمين على قلبك، الروح الأمين هو جبريل، وهو روح القدس، نزل بهذا القرآن،
وكان نزوله على قلبك، فاتصل به ووعاه، وحفظه مرتلا (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ) لأنك تعلمت علمه وأوتيت حكمته، وعلمت شريعته لتكون من المنذرين أهل الضلالة عن غوايتهم، ودعوتهم إلى التوحيد، ولما ذكر المنذر دون المبشر، وهو بشير ونذير، لأن هداية المشركين تكون أولا بالإنذار، والتبشير يكون بالإقلاع عن الشرك، ولذلك كان أول دعوته بالإنذار، إذ قال: (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)، عندما استجاب لقوله تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أنا النذير العريان.
الثالثة - أنه باللغة العربية، ولذا قال عز من قائل:
(بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)
اللسان هنا اللغة، لأنها تكون باللسان، وهو متميزها، وأداتها، وأطلق اللسان وأريد المسبب له وهو اللغة، وكل لغة تخص لسانا في أدائها ونغمتها وصوتها. وأداؤها في القرآن الكريم كان باللغة العربية فليس بقرآن ما لا يكون باللغة العربية، فترجمة القرآن إن كانت ممكنة (وهى ليست ممكنة) ليست قرآنا، وقوله: (مُّبِينٍ) أي واضح في تميزه ومعانيه، ومقاصده، ومعانيه وهي في أعلى درجات الإعجاز بهذا البيان، ولغيره مما اشتمل عليه.

الصفحة 5408