كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

يأتيهم العذاب من حيث لَا يشعرون، ولقد كانوا وهم في غرور الدنيا ولهوها يكذبون النبي الذي يخوفهم بعذاب الله ويتحدونه، فيستعجلونه، كما قال تعالى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ)، ولكنهم في الآخرة وقد رأوه عيانا يطلبون التأجيل، ويعجبون من الاستعجال، فيقولون:
(فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204)
الاستفهام هنا يدل على التمني، أي يتمنون أن يكونوا منظرين، أي مؤجلين، وقد كانوا يهددون ويخوفون في الدنيا أن يكون ما يرون تهديدا وتخويفا، وينظرون فيه حتى يكون منهم أحر، ويستدركون ما فاتهم، ولكن لات حين مناص، ويترتب على رجائهم الانتظار والتاجيل التعجيل بالعذاب، فيقولون
(أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204)
والفاء دالة على ترتيب ما بعدها على ما قبلها، وهي مؤخرة عن تقدم، وتقدير القول فأبعذابنا يستعجلون أي يترتب عن تمني الانتظار التعجب من الاستعجال، والاستفهام الثاني لاستنكار التعجيل، وبعذابنا تتعلق بالاستعجال، وتقدم عليه، لأنه يخيل إليهم أن الاستعجال خاص بعذابهم وحدهم، ونسوا ما فعلوا من ظلم، وما اجترحوا من سيئات.
وإن ذلك العذاب منطقي، فقد متعوا سنين وأوعدوا، وذكر لهم ما يوعدون، وهذا وقت الجزاء، ولذا قال:
(أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206)
يذكر سبحانه العجب من حالهم، وإنكارهم ما ذكروا به في تمتعهم سنين، والفاء مؤخرة عن تقديم الاستفهام، لأن الاستفهام له الصدارة دائما، والاستفهام للتعجب، والمعنى فأريتهم كيف متعناهم بزخارف الدنيا سنين مهما تكثر فهي معدودة محدودة، وإذا تحقق ما يوعدون من عذاب يطلبون التأجيل، ويعجبون من التعجيل أو الاستعجال، ولا استعجال أبدا بل كل شيء في وقته المحدود وأمده المعلوم، وقوله تعالى:
(ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206)
العطف بـ (ثُمَّ) له معناه فإن ما بين البعث والتمتع سنين محدودة كبير في نظرهم، والتفاوت بين المتعة والعذاب يسوغ التفاوت والبعد بـ (ثُمَّ)، ونحوها؛ لأنه ثمة فارق وتفاوت بين المتعة وما ينزل لهم من عذاب دائم مقيم.

الصفحة 5412