كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

وإن المتعة التي يعقبها عذاب أليم لَا تجدي ولا تنفع ولا ترفع، ولقد كانوا يتوهمون أن ما هم فيه من تمتع يكفيهم، ولكن
(مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)
(مَا) هنا موصول حرف، وليست موصولا اسميا بمعنى الذي، لأن الصلة في الموصول الاسمى يجب أن تشتمل على ما يربطها بالاسم من ضمير، أو نحوه، ولا ضمير يربطها، فهي إذن موصول حرفي يكون وما بعده مصدرا منسبكا، وتقديره: وما كان تمتعهم هذه السنين طالت أو قصرت مغنيا عنهم في الآخرة رافعا عذابهم الشديد النازل بهم، كما كانوا يتوهمون أنه لَا بعث، وأنه إن كان بعث فليس بمعقول أن يعاقبوا، وأن يكون أولئك الضعفاء المرذولون والعبيد المهينون هم المثوبين، وكانوا دائما معتمدين على دوام تمتعهم في السنين المحدودة والأمد المعلوم.
وأنهم قد أنذروا، فالملام في عقوبتهم عليهم هم وحدهم، ولذا قال عز من قائل:
(وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209)
أي ما أهلكنا أي قرية، والقرية المدينة العظيمة أو القبيل، ومن دالة على عموم النفي واستغراقه، إلا كان لها منذرون بالعذاب الشديد من رسلِ اللَّه تعالى الذين يتكلمون عن اللَّه تعالى، وقد قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)، وقال تعالى: (وَإِن مِّنْ أُمَّة إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ). وإن الرسول يذكرهم دائما، وتبقى في رءوس المعتبِرين منهم ذكرى دائمة باقية حتى يجنبهم ما أنذروا به، ولذا قال تعالى:
(ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209)
أي أن ذلك الإنذار على ألسنة الرسل تذكير لهم أن اعتبروا واخشوا وخافوا، وأكد سبحانه أنه لَا يظلِمهم، فيأتيهم بالعذاب من غير إنذار، فقال تعالى: (وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ) (كان) هنا دالة على النفي الدائم، أو نفي الشأن، أي وما كان من شأننا الظلم، كما قال تعالى في آية أخرى، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)، ولقد قال في إنذارهم (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44).

الصفحة 5413