كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

ولقد كانوا يتوهمون أن القرآن قول كاهن، ولم ينزل من الله، ولكن نزل من الشياطين، كما ينزلون على الكهان، وذلك زعم باطل في أصله، وفي تطبيقه على القرآن الكريم، ونفى اللَّه ذلك نفيا مؤكدا فقال:
(وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)
لقد ادعوا أن القرآن قول كاهن، وأقوال الكهان تتنزل بها الشياطين، وهي جمع شيطان وهم إخوان إبليس أو أتباعه وزمرته، وقد نفى اللَّه تعالى ذلك بثلاثة أمور.
أولها - أنه ما ينبغي لهم؛ لأنهم محرضون على الفساد، والقرآن هاد مرشد، وذلك احتجاج عليهم بحقيقة القرآن، فلا يمكن أن يتلاقى مع وساوس الشياطين ومفاسدهم، فما يصح أن يكون منهم.
والثاني - أنهم لَا يستطيعونه، لأنه معجز، وهو يعجز الجن والإنس كما قال اللَّه تعالي: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88).
والثالث - أنهم لَا يمكن أن ينقلوه أو يسرقوه، ويتنزلوا به على أهل
الكهانة، لأنهم معزولون عن ذلك، وهذا قوله تعالى: (إِنَّهمْ عَنِ السَّمْع لَمَعْزُولُونَ)، وقد أكد سبحانه وتعالى عزلهم بـ إن الدالة على التوكيد، وباللام، وبالجملة الاسمية.
ولقد تكلم الحافظ ابن كثير في هذه الأمور الثلاثة المانعة من أن تتنزل به الشياطين، فقال رضي اللَّه عنه " ذكر سبحانه أنه يمتنع عنهم ذلك من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه ما ينبغي لهم، أي ليس هو من بغيتهم ولا من طلبتهم، لأن من سجاياهم الفساد، وإضلال العباد، وهذا فيه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ونور وهدى وبرهان عظيم، فبينه وبين الشياطين منافاة عظيمة، ولهذا قال تعالى:
(وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ ... (211)

الصفحة 5414