كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

الفاء للإفصاح عن شرط وتقديره إذا كان القرآن هو الحق، وهو يدعو إلى التوحيد،
فلا تدع مع اللَّه إلها آخر، والدعاء هنا الالتجاء إليه والعبادة أي لا تعبد مع اللَّه إلها آخر، وتلجأ إليه (فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ)، أي فتكون بسبب ذلك من المعذبين، الفاء للسببية، ولذا نصب الفعل بعدها، ولقد كان النهي موجها إلى نبي الوحدانية، ليقتدي به غيره، وليعلم كل إنسان أن العذاب لاحق بمن يعبد مع اللَّه إلها آخر، فقلب العبادة: الوحدانية، ولب الإيمان ألا يكون مع اللَّه إله آخر.
بعد ذلك أمر سبحانه وتعالى أمرين متعلقين بالدعوة، فقال:
(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216)
العشير القرابة القريبة، والأقربين جمع أقرب، وهو الأشد قرابة، وقد جاء في مفردات الراغب ما نصه:
والعشير أهل الرجل الذين يتكثر بهم، أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل، وذلك أن العشرة هي العدد الكامل، والمعنى أن العشير الأقارب الذين يعتز بهم، ويحس بأنه منهم، وأنهم منه، أنه - صلى الله عليه وسلم - قد جاء في كتب السيرة وكتب السنة أنه عندما نزلت هذه الآية داعية إنذار عشيرته صار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الصفا، ودعا قريشا، ومنهم من حضر بشخصه، ومن لم يحضر بشخصه وبعث من يسمع عنه وقال لهم: " يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي: أرأيتم لو أخبرتكم بأن عيرا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
دعاهم عليه السلام هذه الدعوة، وهي أولى الدعوات، وكانت الدعوات قبل ذلك دعوات خاصة للزوجة والأهل والأصدقاء، فهذه أول دعوة عامة، أو شبه عامة وعمومها جزئي على أي حال.
هذه دعوة من لم يكن مؤمنا، وقد أرشده سبحانه إلى الرفق بالمؤمنين، لأنهم قوام ألدعوة، وعماد الحق، وقد تعرضوا للأذى باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له

الصفحة 5416