كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

ما يبث في النفوس من البشرى والاطمئنان، والشياطين لَا يقال في المفتري أو الآثم إلا التنزل، وقد جاء في المفردات للراغب الأصفهاني " لا يقال في المفترى والكذب وما كان من الشيطان إلا التنزل وعلى من تنزل الشياطين إلى آخر الآية والتنزل من الشياطين، هو ما يوسوسون به، ويوجهونها نحو الشر والإثم البين، ويلاحظ أن تنزل محذوفة التاء، وأصلها تتنزل.
ثم قال تعالى:
(تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)
الأفاك هو المفترِي الكاذب الذي
يصرف عن الحق، ويضل النفس ويذهب بالاطمئنان، والأثيم الذي تمرست نفسه بالإثم، وصار عنده استعداد للاستماع إلى الإفك الصارف والكذب البين.
والوصف الثاني لمن تنزل عليهم الشياطين هو ما بينه سبحانه بقوله
(يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)
يقال ألقى السمع إليه، أصغى إليه وجعل سمعه كله إليه لَا يسمع سواه والضمير في (يُلْقُونَ) يعود إلى كل أفاك أثيم، أي من صفة هؤلاء أنهم يصغون إليه، ويضعون سمعهم يلقونه إليه، وأكثرهم كاذبون، أي من صفات الكثرة الكاثرة منهم الكذب، فهم يستملون الشياطين ويروجونه بين الناس مبالغين في كذبهم.
وإن من هؤلاء: الشعراء الذين يقولون الكذب ويفترونه، ويتخيلونه، وليسوا كلهم بدليل هذا الاستثناء الذي سيجيء، ومن الشعراء الذين استثنوا في الجاهلية زهير بن أبي سلمى، وفي الإسلام حسان بن ثابت الذي كان يدعوه النبي للرد على المشركين، ووصفه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن روح القدس يؤيده.
قال تعالى:
(وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)
الغاوون: جمع غاو وهو الصالح، وأولئك الذين يهيمون في ذكر النساء، وتصور وقائع كاذبة قد تنزل بها الشياطين عليهم حتى كانوا يقولون لكل شاعر شيطان، وقد أيد اللَّه تعالى تنزل الشياطين عليهم بقوله تعالى:

الصفحة 5419