كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

فتفقدها بتعرف حالها، فلم يجد من بينها الهدهد وسأل عنه، وهذا قوله تعالى عنه:
(وَتَفَقَّدَ الطيْرَ) أي تعهدها، وتعرفها وتعرف حالها، فلم يجد الهدهد، فقال متعجبا (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ)، وكان حفيا يأن يعرف، ويسأل ما لي لَا أرى الهدهد أهو غائب عن عيني متخف بين إخواته من الطير (أَمْ كانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) بأن كان غائبا عن جماعة الطير التي كانت في حوزته، وتحت قبضته، وإن له عقابا،
(لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأتِيَنِّي بِسُلْطَان مُّبِينٍ) فـ (أو) لبيان تنوع المعاملة بتنوع الحال مثل قوله تعالى لذي القرنين، (إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا)، فإذا كان قد غاب مستهينا مستهترا فإني أعذبه عذابا شديدا، وإن كان متمردا فإني أذبحه، وأكد العذاب والتذبيح بما يشبه القسم وباللام وبنون التوكيد الثقيلة، وإن كان غائبا لحاجة، فليأتيني بسلطان مبين أي بحجة بينة مبينة لأمر جديد.
والفاء في قوله تعالى: (فَقَالَ) هي فاء الإفصاح، أي إذ تعهد الطير لم يجد الهدهد وإذ لم يجده فقال:
ولكن الهدهد كان ماكثا في مكان غير بعيد.
(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)
(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ)، الفاء: عاطفة ما بعدها على ما قبلها، أي فمكث غير بعيد أو زمانا غير بعيد، أي لم يقض وقتا طويلا مديدا في مكثه، بل جاء فور التهديد الذي هدد به نبي اللَّه سليمان عليه السلام، وجاء إليه يقول له: (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ) أي علمت علم إحاطة ومعاينة، لأمر لم تحط به، ولم تعلم به علم معاينة، وهكذا كان حظ الطير الضعيف أن يخاطب العظيم الذي أوتي كل شيء بالحرية وبالحق، ليعلم الحكام الجهلة، أن من واجبهم أن يواجهوا الحاكم بكل ما يعلمون وفيه مصلحة الدولة، وأن عليهم أن يتقبلوا شديد القول كما يتقبلون لينه (جِئْتكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ).

الصفحة 5446