كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

الكذب؛ لأنه في معادلة الكذب تكلم بما يوهم أنه ربما يكون كاذبا، فقال (أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِين)، فقد ذكر احتمال الكذب بما يفيد قربه، فأكده بالوصف بالكذب، وبـ كان الدالة على الدوام، وبكونه أن يكون من صفوف الكاذبين.
وانتقل نبي الله الملك، إلى مقام التيقن فقال له:
(اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)
كما كان الهدهد هو المخبر بحالهم جعله حاملا رسالته إليهم قال له: (اذْهَب بِكتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) والجار والمجرور متعلق بمحذوف تقدير القول فيه، فَأَلْقِهْ موصلا له إليهم.
ولم يتعرض القرآن لبيان طريق توصيل كتاب سليمان إليهم، وقد قيل إنه أوصله من الكوة التي تشرق عليها الشمس منها لتعبدها فيها، وقيل: إنه جاء إلى جمعهم، وألقى الكتاب المختوم بخادم الملك لسليمان، فألقاه عليهم وهم يجتمعون، واللَّه تعالى وحده العليم كيف أوصل إليهم الكتاب، ولا نتعرض لبيانه، لأنه لو لم يعلمنا به اللَّه فحق علينا التوقف، كما قال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ به عِلْمٌ)، ثم قال تعالى: (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ) العطف بـ (ثم) في موضعه، أي ألقه متأكدا، وصوله إليهم، وبعد تأكد ذلك تول عنهم وانصرف غير بعيد لتكون مترقبا ماذا يرجعون، أي ماذا يرجعون أو يردون ذلك الخطاب، والواقع أنهم لَا يرجعون الكتاب، إنما يرجعون ما تضمنه الكتاب من دعوة لعبادة اللَّه وحده، والاستسلام لسليمان والخضوع لحكمه كما يبين مضمون هذا الكتاب عند استفتاء قومها.
وصل إليها الكتاب، فعرضته على قومها:
(قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)
جمعت قومها تستفتيهم في الأمر الذي جد وكانت حكيمة إذ جمعتهم وفوضت الأمر إليهم ليروا فيه ما يرون، عرضت عليهم صيغته ووصفته بأنه كتاب

الصفحة 5450