كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

اتجهت بعد ذلك إلى الملاينة والمسالمة بالإهداء، والإهداء من المحبة، ويؤدي إليها إذا لم يكن من ترسل إليه الهدية ملكا ولذا قالت لملئها:
(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ ... (35)
ذكرتهم بصيغة الجمع، لأن الملك يكون معه جيش وأقوام، وهي ترسل إليهم جميعا بهدية، ويظهر أنها لَا تتوقع الأمان المطلق، بل كانت تتوجس منهم خيفة، ولذا قالت: (فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) والفاء عاطفة، ناظرة بمعنى منتظرة مترقبة الأمر الذي يرجع به المرسلون، أسلام وأمان، أم حرب ودمار.
(فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)
هذا وقع الهدية في نفس نبي اللَّه وملك الأرض الذي علمه اللَّه تعالى منطق الطير، وجاء لسليمان أي جاء الوفد وقابل سليمان، ومعه الهدية التي أرسلتها الملكة، خاطب نبي اللَّه وملك الأرض الوفد مستحقرا الهدية، ومستهينا بتفكير مرسليها (أَتمِدُّونَنِ بِمَالٍ)، أي أتجعلون المدد الواصل بيني وبينكم مالا والمال هين على وهو عندي بل عندي ما هو خير منه، (فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ) آتاني الملك العظيم القوي، وآتاني العلم بكل شيء ومن شئون الدنيا آتاني علم منطق الطير والأحياء، وآتاني من كل شيء، (بَلْ أَنتم بِهَدِيَّتِكمْ تَفْرَحُونَ)، بل للإضراب الانتقال ورد للهدية، أنتم تفرحون بهديتكم، ولا تفرحون بغيرها، لأنكم ماديون، لَا تفرحون إلا بالمادة وما يتصل بها من أمثالها. وتقديم الجار والمجرور بهديتكم - للقصر والاختصاص، أي لَا تفرحون إلا بها، ثم هددهم نبي اللَّه بالجيوش الجرارة، فقال:
(ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)
كان الخطاب بالمفرد؛ لأنه الوفد الذي يخبرهم بأمر سليمان، وما استعد به لهم، (فلنأتينهم) الفاء: عاطفة دالة على الترتيب والتعقيب أي فور رجوعهم لنأتينهم، وقد أكد غزو الشرك بالقسم، ولام القسم، ونون التوكيد الثقيلة، وقد أكد إرسال

الصفحة 5453