كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

الجيش، وأكد نتيجته، بقوله: (لَنُخْرِجَنَّهُم) والإخراج يصح أن يكون المعنى إبعادهم عن سلطان الحكم، فلا يكون لهم رأي ولا إرادة، وكأنَّهم المخرجون، وأذلة أي كونهم أذلاء صاغرين أي منحطين إلى المنزل الدون راضين بذلك؛ لأنه لا قدرة عندهم على تغيير حالهم، والتفكير في أمرهم، كان هذا رد الملك النبي، وما كان ليسكت عن قوم يعبدون الشمس ومشركين، فهو ملك نبي ونبوته لا تتأخر، بل هي العامل الأول المسير لملكه دائما.
بعد ذلك أخذ يفكر في تعرف حالهم، وإظهار القدرة التي منَّ اللَّه بها
عليه، فاراد أن يختبر ذكاءها قال:
(قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)
العرش: كرسي السلطان، وقد سبق أن وصف الهدهد ذلك العرش بأنه عرش عظيم، قد أوتي من الأبهة والزخرفة الكثير، وإنه دليل على كمال السيطرة، وكمال الثروة، وما الذي يطلبه نبي اللَّه الملك من الملأ من قومه أهو أن يأتوه به ذاته، ذلك ظاهر القول، ولو يوجد ما ينفي الظاهر، ونحن نأخذ بظاهر القول ما لم يوجد من الاستحالة العقلية ما يخرجنا من الظاهر إلى غيره، فالأمر كله لا غرابة فيه، فالنمل يتكلم، ويسمع كلامه ويفهم، والطير يتكلم ويفهم، ويرسل في رسائل وكتب إذن فلا غرابة في أن يأتي بعض الملأ بذات العرش.
وقد قال بعض الذين يتكلمون في معاني الذكر الحكيم. إن الذي طلبه نبي اللَّه تعالى هو أن يأتوه بصورة العرش لَا ذاته، ونحن نرى أن هذا التأويل وإن كان محتملا لَا نرضاه؛ لأنه غير ظاهر اللفظ، وظاهر اللفظ يسير في مؤداه ما دام لا يستحيل، وقوله قبل أن يأتوني مسلمين يقول إن الإسلام هنا هو الخضوع، ويصح أن يكون المعنى الإسلام الحقيقي، وهو شهادة أن لَا إله إلا اللَّه، وإنا نميل إلى الأول؛ لأنَّ الإسلام بشهادة الحق جاء بعد ذلك عندما قالت بلقيس: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44). أخذ الملأ ممن حول سليمان يعملون على إجابة طلبه.

الصفحة 5454