كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

(قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
العفريت، قال ابن قتيبة إنه الموثق الخلق أي القوي في بنيانه، وقد كان الجن من جيش سليمان، ونسير بالكلام على ظاهره من غير محاولة تأويل، لأنه ليس عندنا مسوغاته، ولا نعمل الفكر فيما لَا يسوغ فيه، قال القوي من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك أي من مجلسك هذا، (وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ)، وقد أكد قوته وأمانته بعدة مؤكدات، أولها بـ أن والثاني باللام، والثالث بكلمة عليم، وفيها إشارة إلى أنه في قبضة يده.
ولم تبين الآية كيف يكون ذلك، ولنسلم بظاهر الآية، غير متكلفين، فاللَّه تعالى أمر بعدم التكلف فقال (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ).
ولكن الملك نبي الله عليه السلام استطال هذه المدة، فتقدم عليه بعض الذين أوتوا علم الكتاب.
(قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)
وصف الذي أتاه قبل أن يرتد إليه طرفه بأن عنده علم الكتاب، فما هو هذا الكتاب، أهو السجل المحفوظ، أم كتاب من كتب العلم والمعرفة، ومن أي جنس، أهو من الإنس أم من الملائكة، لم يبين القرآن قبيله ولا كتابه، فكان حقا علينا ألا نتعرف ما لم يعرفنا الله به، إذ لَا سبيل لذلك، ولم يرد عن السنة ما يوضح ذلك بخبر صحيح يمكن الاعتماد عليه.
وإن هذه سمعيات يجب التصديق بها والإذعان لها، وكثير من قصة سليمان أمور غيبية توجب الإذعان ويكتفى بالإيمان بظواهرها، غير متأولين، ولا قافين ما

الصفحة 5455