كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

عباس ومن أخذ عنه أنهم غيروا في ألوانه، وأخذوا بعض ما فيه من جواهر، ونرى أنهم لم يغيروه، ولكن نكروه، ننظر جواب الأمر أي لننظر أتهتدي أم تكون من الذين لَا يهتدون، أي لننظر فاحصين ذاتها، ألها نظرات ثاقبة، تصل من ورائها إلى الحقيقة محصين مدركين واصلين، أم هي من أهل الغفلة الذين لا يهتدون، ولا يمحصون ولا يدركون.
وقد تبين من الاختبار أنها واعية مدركة، وأن النساء يدركن دائما ما يتعلق بالفراش وزينة الحياة الدنيا، ولذا علمت، وإذا كان قد اعتراها نوع تشكك، فلغرابة أن يجيء إلى نبي اللَّه سليمان قبل مجيئها.
(قَالَتْ كأَنَّهُ هُوَ ... (42)
لم تقل إنه هو من قبيل الحرص؛ لأنها رأته بعينها ولكن كانت الغرابة في أنه جاء قبلها فتساءلت في ذات نفسها، كيف جاء، وبأي طريق وصل، هذا هو الذي تحترس من أن تقول هو هو - بل قالت كأنه، وقال سليمان مؤكدا أنه هو: (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا) أي أوتينا العلم به المستيقن المحسوس من قبل مجيئها، وقد يعلل بهذا من قال: " إنها صورة العرش لَا ذاته " وما كان لنا أن نترك الظاهر الذي يبين اليقين بعبارة موهمة غير قاطعة ثم قال: سليمان: (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) أي مذعنين للحق ببيناته. وإن هذه الأحوال كلها خوارق للعادات مثبتة نبوة سليمان، وفي الحق أن سلطان سليمان قد قام كله على خوارق للعادات، وكان الزمن زمن المادة والأسباب، والمسببات، فكان هذا الملك قرعا لأسماع الماديين المتعلقين بالأسباب والمسببات العادية، ويحسبون مخطئين أنها قانون الوجود.
وذكر سبحانه وتعالى حالها فقال:
(وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)
وهنا نجد كتاب الله تعالى الذي ينصف في كل أحكامه، لَا تجد فيه عوجا ولا أمتا، فاللَّه سبحانه يبين على لسان نبيه الملك أنه صدها عن سبيل اللَّه ما كانت

الصفحة 5457