كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

تعبده من دون اللَّه تعالى من الشمس التي هي من خلق اللَّه تعالى الدالة على كمال قدرته سبحانه، وقال: (إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْم كَافِرِينَ) وهذه الجملة السامية في مقام التعليل: الشيطان يصدها عن السبيل القويم أي أنها كانت في بيئة كفر؛ لأن قومها وأجدادها قد توارثوا الكفر، فكانوا أبعد الناس عن إيمان، فمرنت على الكفر، واعتنقته، وعبدت ما يعبدون من دون الله.
بين اللَّه من بعد ذلك على لسان سليمان ما يرغب أمثالها من النساء، وهو أن الملك يملك من زخارف الحياة ما ليس عندها، وما يبتهر فقال:
(قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)
الصرح، القصر العالي المزخرف، ودخلت الصرح، فدخلت صحنه، وهو ممرد أي مملس ملمسه ناعم وله بريق بسبب تمريده، وإزالة كل خشونة فيه حتى يحسبه الرائي لتنسيقه، وكأنَّه لجة من الماء، فحسبته ماء في صحن الصرح وخشيت على ثيابها المزخرفة فرفعتها، وكشفت عن ساقيها، فنبهها سليمان إلى أنه ليس بماء وإنما هو صرح ممرد من زجاج يبدو بادي الرأي كأنه لجة ماء وما هو بماء، فقال لها - إنه صرح ممرد من قوارير، أي من زجاج تكون منه القوارير، وهي جمع أدركت السيدة بلقيس، وهي تروعها الزخارف كما تروع كل النساء، فكرت في ماضيها إذ كانت تعبد الشمس، وسليمان يعبد الله تعالى، وقد آتاه الله من النعم ما لَا يمكن أن يكون لأحد غيره، فاهتزت، وعلمت أنها كانت على باطل، وأنها ظلمت نفسها بما كانت عليه، قالت: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، أقرت بأنها ظلمت نفسها بعبادتها الشمس، فالشرك

الصفحة 5458