كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

التقاسم على موته وأهله، فهما بدل ومبدل منه أو الثاني عطف بيان للأول، ومعنى تقاسموا أن كل واحد منهم تبادل القسم مع الباقين، والقسم باللَّه، ولا غرابة في ذلك فقد كانوا يعرفون الله وأنه خالق كل شيء ولا خالق غيره، ولكنهم يعبدون الأوثان لتكون زلفى إليه سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.
وموضوع القسم (لَنُبَيِّتَنَهُ وَأَهْلَهُ) أي لنجيئنهما بياتا وهم نائمون، ويقتلونهم، ويهلكونهم، ويجيئون بيمين كاذبة يقولون ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون. يقولون لولي دمه من أهل وعشيرة، ويدعون أنهم صادقون، وإنهم لكاذبون وهم بذلك يدبرون جريمة، ولكنَّ اللَّهَ رادٌّ كيدهم في نحرهم، وهو محيط بهم، ولذلك قال تعالى:
(وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)
دبروا هذا التدبير الآثم وسماه اللَّه تعالى مكرا، وقد أحكموا التدبير، وأحاطوه بما يضمن التنفيذ بإحكام، ولذا أكدوه بالمفعول المطلق مكرا، واللَّه من ورائهم محيط، ولذا دبر لعبده، وسمى تدبيره الحكيم مكرا من قبيل المشاكلة اللفظية؛ ولأن المكر هو التدبير، ويكون في الخير والوقاية من الشر، كما يكون في تدبير السوء كما كان منهم، ومكر اللَّه تعالى لإحباط تدبيرهم الخبيث، وهو القضاء على الفساد والمفسدين، وهم لَا يشعرون أن الله محبط عملهم، ومبطل تدبيرهم وذلك بالقضاء عليهم قبل أن ينفذوا.
أصابتهم صيحة خربت ديارهم، وأفسدت تدبيرهم، ولذا قال سبحانه:
(فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)
الفاء: للإفصاح، أي إذا كان اللَّه قد دبر لرسوله كما دبروا آثمين، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم، وأن ما أنزله الله تعالى من عذاب مدمر كان بسبب اعتزامهم قتل صالح وأهله، وما كان اللَّه تعالى ليذر رسوله نهبا لهم يغتالونه، بل إنه سبحانه لهم بالمرصاد، قتلهم قبل أن يقتلوه، فجاءتهم الصيحة، فأصبحوا في

الصفحة 5463