كتاب زهرة التفاسير (اسم الجزء: 10)

نبات الزرع والشجر، كان إسناد الإنبات إليه سبحانه، لكيلا يظن أحد أن ذلك الإنبات من الأخذ بالأسباب والمسببات، وأنه فعل طبائع الأشياء، وبين اللَّه تعالى أن ذلك الإنبات منه، وهو فوق الأسباب والمسببات، سبحانه بديع السماوات والأرض، والخالق لكل شيء على غير مثال سبق، وقال بعد ذلك سبحانه: أإله مع اللَّه، أي يتساوى الخالق والمخلوق بل أدنى مخلوق، واللَّه خير من أوثانهم، ودل على عدم التساوي بتوبيخهم على أن يجعلوا مع اللَّه إلها آخر، مع هذا التفارق، وأنه لَا يكون المخلوق كالخالق أبدا، ثم قال تعالى: (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) أي يعدلون عن حكم العقل، وحكم المنطق، والطريق المستقيم، وكان التعبير بالمضارع لتصوير عدولهم عن الحق إلى الباطل، ومن العقل إلى الهوى، ألا ساء ما يقولون، وما يفعلون.
وقوله بالنسبة لإنبات الحدائق فيه إشارتان بيانيتان.
الأولى: أنه عبر بالإنبات للأشجار مع أنه في آيات أخريات كان يضيف الإنبات إلى الزرع ويعبر عن خلق الأشجار، بقوله تعالى: (فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى)، وذكر الإنبات هنا بالنسبة للحدائق ذات الأشجار الوارفة الظلال؛ لبيان عظيم قدرته في أنه ينبت هذه الدوحات والأشجار العظام، ويتعهد من حال النبات، حتى يصير فيحاء ذات بهجة وزينة، ويسر الناظرين مرآها، ويسر الناظرين ثمرها اليانع، وقطوفها الدانية.
الثانية: هي قوله تعالى: (مَا كانَ لَكُمْ أَن تُنْبِتُوا شَجَرَهَا) كان هي كان الناقصة، ونفيها معناها نفي الكينونة، أي ليس في وجود ولا كيان، أن لكم، أي في قدرتهم، أن تنبتوا شجرها، إنما ينبتها العزيز الرحيم، والخلاق العظيم.
(أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)
أم: للإضراب الانتقالي، ودالة على الاستفهام المتضمن معنى المعادلة والموازنة، بين اللَّه تعالى خالق الكون وما فيه ومن فيه، وأوثانهم التي يعبدونها.

الصفحة 5471